ترامب وكيم: مصافحة لا مصالحة
د. عصام نعمان
دونالد ترامب، وكيم جونج اون، يختلفان في كل شيء، ويتشابهان في أمر واحد هو أنهما شخصان عنيفان، لا يمكن توقع أفعالهما. لكن اختلافهما الشديد لم يحل دون لقائهما في ودٍّ ، أو تودد، ظاهر.
في اللقاء صافح ترامب كيم، واعترف به، لكنه لم يتصالح معه. الاعتراف مجاملة سياسية تعني أن يأخذ حاكم علماً بوجود آخر مختلف، لكنها لا تعني بالضرورة، مصالحته، ومصادقته، والتعاطي معه . أمريكا، وبالتالي حكامها، لم تعترف بكوريا الشمالية وحكامها منذ سنة 1953، العام الذي انتهت فيه الحرب الكورية.
منذ أيام الجَدّ المؤسس كيم ايل سونج، والجمهورية الديمقراطية الشعبية الكورية تحاول تأمين اعتراف رسمي بها من أمريكا، لكن دونما جدوى. لماذا؟ لأنها شكّلت بعقيدتها الشيوعية، وموالاتها للصين الشعبية (التي لم تكن أمريكا قد اعترفت بها آنذاك) وقوتها العسكرية المتنامية، تهديداً لحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان، وللقواعد الأمريكية في شرق آسيا.
الحفيد، كيم جونج اون، حقق مطلب الجد والبلاد التاريخي بالحصول على اعتراف رسمي من كبرى دول العالم، والغريم العنيف الذي حاصرها طويلاً، ومنع عنها الغذاء والدواء والنفط، وحال دون تصالحها مع شقيقتها جمهورية كوريا الجنوبية.
الجَدّ والابن والحفيد، ردّوا على عداء أمريكا وعنجهيتها باللجوء إلى تصنيع أسلحة نووية. وظنّوا أن ذلك يحقق لبلادهم مكسبين: الردع الذي يحمي من تغوّل أمريكا، والضغط الذي يحملها على الاعتراف بهم. لكن أمريكا لم تتراجع ولم تتهاون. أربعة رؤساء، قبل ترامب، تعاملوا مع كوريا الشمالية بالأسلوب نفسه: عدم الاعتراف، وتشديد الحصار، وتطويقها بحلفاء معادين.
أخيراً، تسلّم دفة القيادة في واشنطن شخص لا يمكن توقع أفعاله، فكان أن قرر الاعتراف بكوريا الشمالية، لماذا؟
قيل إنه فعلها لثلاثة أسباب: أولها، ليبرهن للأمريكيين أنه فعل شيئاً مغايراً، ومتفوقاً على غريمه باراك أوباما. ثانيها لأن كوريا الشمالية نجحت في تصنيع قنبلة نووية، وصاروخ باليستي قادر على حملها لمسافات طويلة، الأمر الذي عطّل إمكانية تهديدها بسلاح نووي كانت تفتقر إليه، وبات من الأفضل احتواء مفاعيله بعدما اصبح في متناولها . ثالثها لأن الاعتراف بها، والتعاطي معها قد يُقنعانها، عاجلاً، أم آجلاً، بقبول تجريد شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.
كيم تلقّف مقاربة ترامب الإيجابية بحماسة مكبوتة. لماذا؟ لأنه فرغ من تصنيع أسلحة نووية رادعة، وصواريخ باليستية قادرة على نقلها واصبح، تالياً، في مركز تفاوضي قوي لتحصيل مكاسب أخرى .
ما المكاسب التي يتطلع إليها كيم؟
أولها، وأهمها، رفع الحصار، وإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من أمريكا والأمم المتحدة في آن. ثم الحصول على قروض وتسهيلات من الدول المقتدرة والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي لمباشرة مشروعات تنموية تحتاج إليها بلاده المحرومة. أخيراً وليس آخراً: الاستفادة من مناخ التهدئة والمصالحة من أجل إحياء مساعي توحيد الكوريتين.
ترامب يعرف ما يريده كيم، وهو مستعد للاستجابة لبعض مطالبه، لكنه يريد منه ما هو اكثر واخطر: يريد موافقته على تجريد كوريا، بشطريها الشمالي والجنوبي، من السلاح النووي وسائر أسلحة الدمار الشامل. في هذا الإطار جرى التوافق بينهما على تسويةٍ للخلافات تكون مدخلاً لتحقيق مطالب ملحّة أخرى للطرفين، يترسملان عليها لتحقيق ما يعتبرانه أهم، وأخطر.
ماذا بعد؟ أمريكا، ومن ورائها «إسرائيل»، تريد أمرين إضافيين بالغيّ الأهمية: أن تمتنع كوريا الشمالية عن تزويد دول أخرى، لاسيما سوريا والعراق، وحتى مصر، بأسرارَ ومعارف صناعةِ الأسلحة النووية، وعدم تزويدها صواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على نقل رؤوس نووية، أو متفجرة.
هل يتجاوب كيم؟ربما، إنما بعد الاتفاق على المقابل وهو الانتقال في علاقته مع ترامب (وخلفائه)، من حال المصافحة والاعتراف إلى حال المصالحة، والمتاجرة، والتعاون الاقتصادي والتنموي. بعبارة أخرى، المقابل الذي يريده كيم سيكون ثميناً جداً، وبالغ التكلفة، وإلاّ فإن في وسع الزعيم الكوري الذي لا يمكن توقع أفعاله، أن يتوجّه إلى خصوم أمريكا و»إسرائيل»، للحصول على الثمن المطلوب لما هو مطلوب منه توفيره لهم من أسرار، ومعارف، وأسلحة بالغة الفعالية.