مقالات التجمع المختارة من فرع مصر

الإقليم يتجه إلى الحرب بدعم أمريكى مباشر

د.جمال زهران

تتنافس الآراء الآن فى ضوء معطيات دولية وإقليمية بالأصالة أو بالوكالة، حول ما إذا كان الإقليم العربى والشرق أوسطى يتجه نحو الحرب أم لا؟ وهل إذا ما صدقت التوقعات باندلاع حرب فعلية، فهل ستقع فورًا أم بعد فترة التسخين الجارية الآن؟ وهل ستكون شاملة تشترك فيها دول إقليمية عديدة مع صراع دولى بين أمريكا ومعها أوروبا وبين روسيا ومعها الصين؟ أم أنها ستكون جزئية مرحليًا لتحقيق هدف معين وكفى أو مقدمة لمراحل أخرى؟

 كلها تساؤلات تهتم بها دوائر الحكم فى الإقليم عربيًا وشرق أوسطيا، بل ويهتم بها المفكرون رصدًا لما يحدث وتحليلاً لما يجرى من تفاعلات وقرارات، بل وتوقعاً لما يمكن أن يحدث وتصير إليه الأمور وتداعيات ذلك على الإقليم وعلى الأنظمة وعلى الشعوب. ولاشك أن الإقليم يمر بظروف صعبة للغاية لا يمكن تجاهلها أبدًا. والأمر الحاسم والواضح أن المشهد فى الإقليم فى مرحلة تسخين تتصاعد تدريجيًا ودراماتيكيًا إلى حد إما الردع بالتهديد بالحرب، حتى يمر قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى ذكرى النكبة السبعين بإنشاء إسرائيل فى الخامس عشر من مايو 2018 الحالى، ويصبح القرار واقعًا لا مفر من قبوله، وفرض الأمر الواقع؟ أو استغلال التهديد بضربة عسكرية ولو محدودة لطرف إقليمى يكون بمنزلة ردع للآخرين وتمكين إسرائيل ذلك الكيان الصهيونى من

الهيمنة على الإقليم؟

ومن ثم فإن التسخين الجارى حاليًا والذى يتمثل فى إجراءات تتخذ بالفعل، إما إلى التسخين للردع والمناورة، وإما إلى الفعل سواء محدودًا أو شاملاً…الخ ويتساءل الكثيرون لماذا كل هذا الذى يجري، ما هى الأهداف؟ ما هى التكاليف؟ ومن سيدفعها؟ وكيف يتم توظيف مقدرات المنطقة لاستمرارها فى فكرة الصراع العالمى بأيدى أبناء الإقليم؟

ويمكن رصد ما يلى:

أولاً: أن الولايات المتحدة فى عهد ترامب، تشهد أفولاً وضغوطًا بالانسحاب من الإقليم بسبب الانتكاسات المتوالية بفعل إرادة بعض دول الإقليم ضدها، وبفعل الدعم الروسى المباشر، ومن ثم يسعى ترامب للبقاء فى الإقليم بإرادة ودعم دول إقليمية أخرى لينشطر الإقليم إلى شطرين يعكسان مدى الصراع الدولى الجديد على الإقليم وبالإقليم. أى إن أمريكا تصارع من أجل البقاء وتحشد له قوى الاستعمار التقليدى (بريطانيا ــ فرنسا)، لتعيد مشهد العدوان الثلاثى عام 1956 على مصر، بعدوان مماثل على سوريا.

 ثانيًا: أن الولايات المتحدة تسعى إلى استكمال دورها فى تنفيذ مخطط وعد بلفور، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس بعد الاعتراف الصريح فى عهد ترامب المتغطرس، بأنها عاصمة إسرائيل الأبدية، وعلى الجميع أن يرضخ تهديدًا أو وعيدًا! وهذه حلقة فى سلسلة تحقيق الدولة اليهودية الصهيونية من النيل إلى الفرات، الأمر الذى يزيد من شعبية ترامب وحزبه الجمهورى حاضرًا ومستقبلاً. فالحكومات الأمريكية المتعاقبة تؤدى دورها، بغض النظر عن كونها إدارة ديمقراطية أم جمهورية وان اختلفت الأساليب، وذلك بهدف تمكين إسرائيل وجعلها سيدة المنطقة وصاحبة القرار بالوكالة عن أمريكا نفسها، وبالأصالة عن نفسها ومشروعها لتوليد إسرائيل الدولة اليهودية النقية الخالية من أى فلسطيني، وتؤدى وظيفتها فى السيطرة على المنطقة للأبد، والحيلولة دون تكاملها نهائيًا، وتكون عصا الطاعة لأى نظام عربى أو شرق أوسطى يفكر فى التمرد والخروج عن القواعد بعبارة أخرى، تسييد المشروع الأمريكى الصهيونى أو الصهيو-أمريكي، تحقيقًا لمآرب استعمارية متجددة إزاء المنطقة.

ثالثًا: أن السيناريو الأكثر قابلية للتنفيذ، هو التهديد المباشر لإيران، وليس أى طرف إقليمى آخر. ويظهر ذلك فى إصرار ترامب على الإلغاء والانسحاب الأمريكى أو التعديل للاتفاق النووى مع إيران ويسعى جاهدًا لمساندة أوروبا له وهى الرافضة باستثناء فرنسا التى قبل رئيسها ماكرون ضغوط ترامب ودعم توجهاته رغم التحفظ الفرنسى عمومًا. ومن شأن ذلك إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار حسب تصريحات روسية وصينية رسمية وعواصم أوروبية فى مقدمتها ألمانيا.

كما يترجم ترامب رغبته فى «استنزاف بعض دول المنطقة بالتظاهر بالاستجابة لرغبتها فى الثأر من إيران. كما أن مواصلة التهديد لسوريا والسعى نحو التهديد بالانسحاب مقابل قوات عربية وسط رفض مصرى صريح، وفشل فى الاستجابة لذلك، الأمر الذى سيكون له تداعيات سلبية على الإقليم. كما أن ترامب يوظف نيتانياهو أو العكس، بأن أطلق العنان له، بكشف أوراق سبق الحديث عنها وثبت عدم مصداقيتها، ولكنها تأتى فى سياق إعداد المسرح بالتسخين ردعًا أو ضربة محدودة لإيران، لتمرير المشروع الأمريكى الصهيونى.

فى ضوء كل ما سبق وهو نذر يسير مما يحاك أمريكيًا للمنطقة (الإقليم العربي، والشرق أوسطى معًا)، فإن المنطقة مقبلة على مشهد أو مشاهد فى ظل تراجع إرادة الفعل العربى وانقسامات واستقطابات تجسد حقيقة الصراع الدولى فى الإقليم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى