هل يلوّح إردوغان لأميركا ولخصومها بمناورة مزدوجَة؟
قاسم عزالدين
الرئيس التركي الذي يهدّده انهيار الليرة وتفاقم الأزمة الاقتصادية، يلوّح لأميركا بالبحث عن شراكات وتحالفات جديدة، في الإشارة إلى الصين وروسيا وإيران. لكن هذا التلويح قد يكون مناورة مزدوجة للسعي إلى تخفيف الضغوط الأميركية من جهة، ومراهنة على جذب الصين وروسيا وإيران إلى عملية انقاذ اقتصاده من جهة أخرى. فلماذا تبدو هذه المناورة في الاتجاهين عديمة الجدوى؟
محاولة الرئيس التركي إخماد العاصفة التي أطلقها انهيار العملة، تأخذ أشكال المبالغة في الوعود والتلميحات أملاً ببث الاطمئنان إلى إمكانية تجاوز الأزمة المستفحلة بأقل خسائر ممكنة، مما يتيح أن يصبغه إردوغان بانتصارات افتراضية.
بالغ إردوغان وحزب العدالة والتنمية في الترويج لقوة الاقتصاد التركي، من دون سند حقيقي وثابت. وفي هذا الإطار أشاع إردوغان العام الماضي أمام الجمهور التركي، أن البنك الدولي طلب قرضاً من تركيا بحدود 5 مليارات من الدولارات، لكن الخبر غير الصحيح هدفه نشر الانطباع بتحقيق المعجزات.
بين إروغان وترامب توتر دبلوماسي على خلفية اعتقال القسّ أندرو برونسون وفرض الخزانة الأميركية عقوبات على وزيري العدل والداخلية في تركيا. وبينهما خلافات سياسية كثيرة تصاعدت مؤخراً بسبب رفض العقوبات الأميركية على إيران وتوطيد العلاقات بين موسكو وأنقرة.
لكن ترامب لم يفرض عقوبات اقتصادية على تركيا كالعقوبات المالية والتجارية التي فرضها على إيران وروسيا. إنما فرض على أنقرة زيادة التعرفة الجمركية على الحديد والصلب، كما فرضها على الصين ودول الاتحاد الاوروبي وكندا والمكسيك. وكانت زيادة التعرفة الجمركية كافية لزعزعة الثقة بالليرة التركية وانكشاف خلل الاقتصاد التركي في الأزمة.
تركيا تستورد من الخارج ضعفي ما تنتجه من الصادرات؛ تبلغ قيمة صادراتها بعد أن ارتفعت مؤخراً 157.1 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة وارداتها 234.2 مليار دولار. وبحسب مستشارية الخزينة في تركيا، تتجاوز ديون تركيا 438 مليار دولار بينما يبلغ الدين الحكومي 836 مليار دولار. وفي الوقت الراهن تحتاج أنقرة بشكل ملحٍ إلى حوالي 117 مليار دولار بالعملة الصعبة من روسيا والصين وإيران لتقطيع الوقت ووقف انهيار سعر الليرة.
ما أشار إليه إردوغان في مخاطبة أنصاره أمام طرابزون على البحر الأسود، يحمل معاني طمأنة الأنصار بأن ترامب “يشن حرباً تجارية على العالم بأسره وشمل بها بلادنا”. ويحمل معاني العتب على الحليف الأميركي الذي يدفع تركيا إلى “البحث عن شراكات وتحالفات جديدة”. ويحمل أيضاً إشارات التودّد إلى الصين وروسيا وإيران باتهام واشنطن “بتدبير مؤامرة سياسية”.
وما يبدو في خطاب إردوغان تهديداً بالتحوّل في اتجاه تحالفات جديدة، شذّبه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بالدعوة إلى حل الخلافات في الحوار والدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية.
إردوغان الذي بنى صرحه في الاعتماد على روسيا والصين وإيران بعد محاولة الانقلاب الفاشلة قبل عامين، لم يعمد إلى تفكيك أواصر ارتباطه بواشنطن وحلف الناتو. إنما يعتقد بتراكم المكتسبات من أميركا وخصومها على السواء إلى مدى بعيد. وفي هذا الاتجاه يطمح إلى تنفيذ “مشروع وسط قزوين” مع الصين وهو أحد أهم أقسام مشروع باكو – تلبيسي – قارص للسكك الحديدية وطريق الحرير. لكن بعدما أصبح بحر قزوين بحيرة مقفلة ممنوعة على واشنطن وحلفائها، لا تستطيع تركيا أن تبقى حليفة واشنطن في الناتو وصديقة دول بحر قزوين على السواء.
أزمة إردوغان مع ترامب، لا تدفع الدول الثلاث لإنقاذ إردوغان من أجل استمراره في حلف الناتو، بل ربما يدفعها هذا الأمر إلى زيادة الخناق على إردوغان أملاً بسلخ تركيا عن حلف الناتو، وانضمامها إلى منظمة شانغهاي للتعاون التي تنضم إليها إيران بصفة مراقب ولم يرغب إردوغان بالتعاون مع المنظمة لارتباطه بحلف آخر.
يبرع الرئيس إردوغان بلعبة البيضة والحجر، على ما يقول المثل الشعبي في مصر، بالإشارة إلى البراعة في التأرجح بين الشيء وعكسه، لكن في اللحظات الحرجة على مفترق الطرق لا مناص من اختيار وجهة الطريق؛ نحو الغرب أو في اتجاه الشرق.
المصدر : الميادين نت