“الغطرسة” الأمريكية.. آن لها أن تتوقف..
د. جمال زهران
ينبئ المشهد الإقليمي على المستويين العربي والشرق أوسطي، عن صراع دولي على الإقليم، وعن اضطرار أمريكي للانسحاب من “الوجود الشامل” إلى التقوقع في منطقة الخليج، وقد تضطر إلى الانسحاب الشامل بما فيها منطقة الخليج أيضًا. ويتوقع كثير من المحللين المتابعين للشأن الإقليمي بجدية، أن تغييرًا درامًاتيكيًا سيتحقق في هذا الإقليم. وقد يودي هذا التغيير إلى انسحاب أمريكي مقابل تمدد روسي/ صيني، مما يستتبعه تغيرات على الدول الإقليمية البارزة، ويتثبت الصراع حول محوري المقاومة والتبعية. فمحور المقاومة يمثل الشرق، بينما محور التبعية يمثل الغرب والحقبة الجديدة للاستعمار التي تستهدف استنزاف موارد الإقليم من نفط وعائداته، واستمرار التخلف، وقصر الأمر على تحديث شكلي لا أكثر. بينما بالرجوع لتجربة التفاعل الروسي (السوفيتي سابقًا)، مع عدد من دول الإقليم في الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات، نجد أن الشرق استهدف إحداث نقلة نوعية في حياة الشعوب، بدعم السدود، وانتشار الكهرباء وخلق قاعدة صناعية كبرى في دول الإقليم، بهدف تحقيق التقدم الحقيقي لهذه الدول.
نحن إذن أمام تجربتين للتعامل الدولي للمنطقة، أحداهما “استعمارية غربية”، في ثوب جديد استهدفت – ولازالت – إعادة إنتاج التخلف بدهان الحوائط القائمة لا تأسيس الجديد، والثانية: هي “تقدمية شرقية”، استهدفت إحداث نقلة نوعية في حياة الدول والشعوب، والتجربة شاهدة في مصر عبد الناصر، والجزائر، وسوريا، والعراق، وفي ليبيا، والصومال بعض الوقت، بل وفي إيران الثورة بعد 1979م وللآن. وقد كان لوقفة روسيا بوتين إلى جوار إيران، ودعم إيران في مشروعها النووي، وكذا اتفاق (5+1) عام 2015م، ولازال الدعم مستمرًا. وعلى الجانب الأمريكي، الذي مارس قادته بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بنهاية عام 1991م واختزاله في روسيا التي توازي 70% من حجم الاتحاد السوفيتي (مساحة – سكانها – موارد …..الخ)، وتراجع الدور العالمي بعض الوقت، أساليب الغطرسة أيام كلينتون، ثم بوش الصغير (الابن)، ثم أوباما، إلى أن جاء المتغطرس الأكبر (ترامب) ليمارس أبشع أنواع الغطرسة ويزيد من إغراق المنطقة بالحروب (سوريا والعراق واليمن، وليبيا)، أو التهديد بها ضد إيران، حتى أصبحنا في واقع مأساوي لا ينم عن استقرار يمكن أن يتحقق في وقت قريب أو عاجل.
وتسعى أمريكا ترامب الآن، بعد مجيئه في يناير 2017م، إلى ممارسة الغطرسة والبلطجة والتهديد بالحماية وبالمقابل مليارات الدولارات، أو انتظار الوعيد، في المنطقة كلها. وتسعى دول الإقليم إلى تجنب المواجهة مع “المتغطرس الأكبر” (ترامب)، على أمل سقوطه في انتخابات 2020م، أو رحيله لأسباب عديدة منها التمويلات والمساندة الخارجية لحملة انتخاباته السابقة، أو لفشله على جميع الأصعدة. وفي الوقت الذي يعتبر البعض أن ترامب حقق نجاحات باستنزاف أموال دول الخليج، أو مصادرة أموال القيادات العراقية أيام صدام حسين، والتي وصلت إلى نحو (700) مليار دولار، أو بيع السلاح الأمريكي بلا حدود لعدد من دول المنطقة، فإنه في ذات الوقت هناك آخرون لهم وزن كبير في التحليل السياسي الأمريكي، يعتبرون ذلك فشلاً كبيرًا، ويمكن الرجوع لما يكتب في جريدتي الواشنطن بوست والنيويورك تايمز على وجه الخصوص. بل ان متابعة استطلاعات الرأي العام من جهات لها وزنها في أمريكا، يلاحظ تراجع شعبية ترامب إلى حد كبير، وبشكل لا يقارن مع أي رئيس أمريكي بعد عامين من الحكم. ولذلك يقدر كثيرون أن نهاية الرئيس ترامب قد حانت، والأغلب ليس لفشله في الخارج، ولكن للفشل الداخلي وأسباب تتعلق بتزييف الانتخابات الأمريكي حتى أصبح ترامب عميلاً أجنبيًا (Friegn Agent) لسوء حملته الانتخابية عام 2016م.
كما يلاحظ أن الرئيس ترامب مارس الغطرسة في ملفات إقليمية عديدة، لعل أهمها ملف سوريا، حيث التهديد المستمر بالحرب، وكذلك الادعاء بورقة الكيماوي التي تعرت أمام العالم، وتشجيع إسرائيل على التحرش بسوريا ومحاولة ضربه عدة أهداف بغارات جوية، آخرها استهدف طائرة روسية استشهد فيها (15) ضابط روسي، الأمر الذي أضحى له تداعيات خطيرة على المنطقة كلها نتيجة هذه الغطرسة الأمريكية الصهيونية. ولعل اعتبار روسيا أن كل سماء سوريا مغلقة، إيذانًا بحرب كبرى أو إجبار أمريكا وإسرائيل، وأذيالها فرنسا وبريطانيا، على التراجع وبالتالي الهزيمة.
أخيرًا أقول أن “الغطرسة الأمريكية” التي توحشت في عهد ترامب، آن لها أن تتوقف إن لم يكن بالدبلوماسية وإعادة قراءة الهزيمة الأمريكية، وإما فإن شلالات الدم ستزداد، وعلى الدول في الإقليم عربية أو شرق أوسطية، أن تراعي ما يحدث. فإن مآل “إدلب” اما بالتحرير الدبلوماسي أو العسكري هو مآل الإقليم نتيجة الغطرسة الأمريكية. وغدًا سنرى.
د. جمال زهـران