المخرج من أزمة لبنان: مؤتمر تأسيسي أو العصيان المدني؟
عصام نعمان
يعاني لبنان أزمةً مزمنة وخانقة انتقل معها أخيراً أو كاد، من حال اللادولة إلى حال انهيار النظام الطائفي الفاسد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. يبدو اللبنانيون، بفعل الشبكة السياسية المتحكمة، عاجزين عن حكم أنفسهم. ليس أدل على ذلك من عجز رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري عن تأليف حكومة جديدة بعد الانتخابات. ذلك مردّه إلى ثلاثة اسباب: انقسام الشبكة الحاكمة على نفسها وخروج بعض أركانها على أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) ومثابرة بعضهم الآخر على الإذعان لتعليمات قوى خارجية، وتشتت القوى الوطنية والتقدمية المفترض أن تشكّل معارضةً فاعلة للنظام الفاسد، واحتدام الصراع في المنطقة بعد انهيار النظام العربي الإقليمي. ما العمل؟
ليس في وسع أهل النظام ترقيع فجوات جسده الممزق، كما في الماضي. فالشبكة المتحكمة ترهّلت وفقدت مسوّغات شرعيتها وتدنّت فعاليتها وباتت عالة على نفسها وعلى البلاد. ومن أسف أن القوى الوطنية والتقدمية فقدت أيضاً جدّيتها وحيويتها وتبدو عاجزة عن إعادة توحيد نفسها. كل ذلك في وقتٍ عاد الصراع إلى الاحتدام بين المحور الصهيوأمريكي من جهة ومحور المقاومة العربية المدعوم من إيران وروسيا من جهةٍ أخرى. ثمة حاجة استراتيجية إلى توليد مناخ قومي نهضوي جديد، يستولد بدوره موازين قوى مغايرة في المنطقة. هذا المطلب عزيز وملّح لكنه صعب المنال، مع ذلك لا مناص من الشروع بالعمل بلا إبطاء. في هذا التوجّه والسياق، يقتضي الإحاطة بالواقعات والتناقضات والتحديات الماثلة في كلٍ من الأقطار العربية المتطلعة إلى التغيّر والتغيير، ففهم الواقع شرطٌ لتجاوزه والبدء في توليد البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأفضل. في ما يخصّ لبنان، وبعد وعي الواقع بكل أبعاده وتناقضاته، أرى أن أسس التغيير النهضوية يمكن أن تكون الآتية:
*أولاً، ترك الشبكة السياسية المتحكمة لمصيرها وعدم التورط معها في أيّ صيغةٍ تسووية لتوافق وطني مصطنع، يُراد منه إنتاج حكومةً تقليدية ونقاط تلاقٍ محدودة حول برنامجها الوزاري ومهماتها المرحلية، بل المطلوب دعوة القوى الوطنية الحيّة إلى إعمال الفكر واعتماد الحوار بغية إنتاج برنامج وطني سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل، لمعالجة حال لبنان المستعصية والانتقال به، من خلال جبهة وطنية عريضة، إلى حال الحرية والوحدة والنهضة وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع.
*ثانياً، الضغط على أهل القرار في جميع المؤسسات والمستويات للإقرار بأن البلاد تمرّ في ظروفٍ صعبة واستثنائية، وان الظروف الاستثنائية تستوجبُ بالضرورة تدابير استثنائية للخروج من الأزمة المستعصية، وإن ذلك يستوجب في حالتنا الحاضرة اتخاذ القرارات الآتية:
* إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال إذا تعذّر، خلال مدة وجيزة، تأليف حكومة وطنية جامعة لمعالجة القضايا والمشكلات الأكثر إلحاحاً وأهمية بتوافقٍ وتعاونٍ وجدّية.
*في موازاة القرار الآنف الذكر، يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، المنتخب قبل سنتين في شبه إجماع وطني، مستلهماً مُرتجى المادة 95 من الدستور، أيّ إلغاء نظام الطائفية السياسية، إلى عقد مؤتمر وطني تأسيسي مؤلّف من مئة شخصية وطنية تكون عضويته على النحو الآتي:
1 ـ أربعون عضواً من الكتل البرلمانية التي يضمّ كلٌ منها أربعة أعضاء على الأقل، يمثلون واقعياً وافتراضياً نسبة الـ49 في المئة من اللبنانيين، الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة بحسب بيان وزارة الداخلية.
2 ـ خمسون عضواً من الأحزاب والنقابات وتشكيلات المجتمع المدني يمثلون نسبة الـ 51 في المئة من اللبنانيين الذين قاطعوا الانتخابات النيابية. تسمّي الهيئات المشار إليها آنفاً ممثليها بالتوافق في ما بينها، وإذا تعذّر عليها التوافق ترفعُ مقترحاتها بالاسماء إلى رئيس الجمهورية الذي يتولى انتقاء الأعضاء من بينهم.
3 ـ عشرة أعضاء يُسمّيهم رئيس الجمهورية ويراعي في اختيارهم تمثيل المناطق والقطاعات التي تعذّر تمثيلها في الفئتين المار ذكرهما.
4 ـ تتمّ عملية تكوين الهيئة العامة للمؤتمر الوطني التأسيسي في مهلة شهر واحد من تاريخ انطلاقها، على أن يدعو رئيس الجمهورية فور انتهائها إلى عقد المؤتمر، بالأعضاء الذين تمّت تسميتهم شرط ألاّ يقل عددهم عن خمسين من مجموع اعضائه المئة.
5 ـ يعقد المؤتمر الوطني التأسيسي جلسات متواصلة لإنجاز مهامه في مهلة لا تتجاوز الشهر الواحد.
*ثالثاً، يهدف المجلس الوطني التأسيسي في عمله إلى تحقيق المبادئ والإصلاحات التغييرية الآتية:
ـ الخروج من النظام الطائفي الفاسد ببناء الدولة المدنية الديمقراطية.
ـ اعتبار قوانين الانتخاب منذ الاستقلال غير دستورية واداةً لإعادة إنتاج النظام الطائفي الفاسد، وإن اعتماد قانون انتخابي يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة.
ـ اقرار قانون للانتخاب وفق أحكام الدستور، ولاسيما المادتين 22 و27 منه، على الأسس الآتية:
1 ـ اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
2 ـ يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً، (100) منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخب الـ(30) الباقون وفق التوزيع المذهبي على أن يكون لكل ناخبٍ صوت واحد.
3 ـ يجتمع كل النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:
الاول يقضي باعتبار النواب المئة المنتخبين على أساس المناصفة بلا توزيع مذهبي للمقاعد نواةَ مجلس النواب المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور، واعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على أساس التوزيع المذهبي نواة مجلس الشيوخ، وفق المادة عينها.
الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ باعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65 – دستور.
*رابعاً، يُعرض قانون الانتخاب الديمقراطي الجديد على استفتاء شعبي عام. وإذا نال موافقة لا أقل من 50 في المئة من أصوات المشاركين يُعتبر قانوناً شرعياً مستوجباً التنفيذ ويكون مجلس النواب القائم منحلاً بموجبه.
*خامساً، يؤلف رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة القائمة وبعد استشارة اعضاء المجلس الوطني التأسيسي، حكومة وطنية جامعة لإجراء الانتخابات وفق أحكام قانون الانتخاب الجديد وإنتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.
ماذا لو تعذّر، لسبب أو لآخر، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟
أرى أن القوى الحية عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاُ المؤتلفة في جبهة وطنية عريضة، مدعوة إلى اعتماد خيار العصيان المدني ومباشرة تنفيذ متطلباته ضد مؤسسات النظام الطائفي الفاسد والقائمين بإدارته، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصلة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي بمبادئه وأسسه واجراءاته المشار إليها آنفاً.
البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، في ما الانطلاق إلى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء إلى حياة حضارية جديدة وابداعية، وقد آن الأوان.