مُستشرِق إسرائيليٌّ: العالم وحشيٌّ ولا أمل أوْ احتمالٍ
زهير أندراوس
ما زالت إسرائيل الرسميّة، من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، تحاوِل الـ”تعايش” مع قرار الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب بسحب قوّاته من سوريّة، وبالرغم من تجنّب معظم المسؤولين الرفيعين في الحكومة الإسرائيليّة انتقاد الخطوة، انتقد مسؤولٌ دبلوماسيٌّ رفيعٌ قرار ترامب بشدّةٍ، بحسب القناة العاشرة، ونقل عنه التلفزيون العبريّ قوله: “ترامب ألقى بنا تحت عجلات شاحنة الجيش الروسيّ، الشاحنة التي تنقل الأسلحة إلى سوريّة وحزب الله”، قال المسؤول الذي لم تتّم تسميته.
في السياق عينه، رأى البروفيسور إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب، وهو مُستشرِق إسرائيليّ مُختّص بالشأن السوريّ، رأى أنّ التواجد الأمريكيّ في سوريّة كان منذ البداية رمزيًا ومحصورًا في شرق الدولة، لافتًا إلى أنّ هذا التواجد لم ينقذ حتى ولا مواطن سوريّ واحد من مصيره المر، ولم يمنع وصول الروس والإيرانيين وانتصارهم في المعركة ضدّ الـ”ثوار”، وفق توصيفه.
وشدّدّ المُستشرِق زيسر في سياق تحليله، الذي نشره في صحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة، شدّدّ على أنّه عندما عملت إسرائيل مؤخرًا ضدّ التواجد الإيرانيّ هناك، اشتكت مصادر في واشنطن من أنّ هذا العمل في شرق سوريّة يؤدّي إلى تعرّض القوات الأمريكيّة في المنطقة للخطر، وفق تعبيره.
ومع ذلك، وفي جانب الوعي، تابع المُستشرِق، كان للتواجد الأمريكيّ في سوريّة أهميةً، إذْ كان فيه ما يردع ويلجم الإيرانيين الذين خافوا من الأمريكيين وامتنعوا عن شدّ الحبل، أما ترك الولايات المتحدة لسوريّة فهي بمثابة تشجيعٍ لإيران لتصعيد تدّخلها في العراق وسوريّة ولبنان، مُضيفًا في الوقت عينه أنّ الانسحاب الأمريكيّ كفيل بأنْ يُصعّد عدم الاستقرار في المنطقة ويؤدّي إلى حرب الكلّ ضدّ الكلّ: تركيا، والأكراد، وإيران وسوريّة، وبالطبع إيران حيال إسرائيل والدول العربيّة المعتدلة، طبقًا لأقواله.
وتابع زيسر: مثل إيهود باراك الذي قرّر إخراج الجيش الإسرائيليّ من جنوب لبنان في أيّار (مايو) 2000، وكذا إخراج دونالد ترامب القوات الأمريكيّة من سوريّة بداية السنة القادمة، كفيل بأنْ يدخل إلى كتب التاريخ كمن «هرب» من أمام الإيرانيين، وهكذا تمّ تتويج بشّار الأسد حاكمًا لسوريا، وإيران كمسيطرةٍ في الهلال الخصيب، وروسيا كقوّةٍ عظمى رائدة، وعمليًا وحيدة، في الشرق الأوسط، مُوضحًا أنّ الحديث لا يدور عن ترامب الشخص ونزواته، فالرئيس الأمريكيّ يقول صراحة، بل وبفظاظةٍ، ما يفكر به معظم الأمريكيين، وفي كلّ ما يتعلّق بالمسألة السوريّة، يتبيّن أنّه لا فرق بينه وبين إدارة أوباما، كما أكّد في تحليله.
ولفت إلى أنّ ظهور داعش وإمكانية مهاجمة أمريكا من قواعده في سوريّة، مثلما فعلت القاعدة من أفغانستان في أيلول 2001، هو الذي أجبر الأمريكيين على إرسال القوات إلى سوريّة، وليس لوقف الهيمنة الإيرانية أوْ مساعدة الشعب السوريّ.
وبخلاف أفغانستان، أوْ اجتياح العراق، قال المُستشرِق زيسر، وجد هذه المرة للأمريكيين “إمعات” محليين تجندوا للقتال نيابة عنهم، وهكذا، بدلاً من إرسال مئات آلاف الجنود إلى سوريّة وتبذير مليارات الدولارات، جند الأمريكيون إلى جانبهم الشيعة في العراق والأكراد في سوريّة، ممّن تحملوا أساس عبء القتال ضدّ داعش.
والآن، ساق قائلاً، بقدر ما يتعلّق الأمر بالأكراد، فقد استعملهم الأمريكيون وألقوا بهم، مُشيرًا إلى أنّ القوّة العظمى تستخدم حلفاءها عندما تخدم الأمور مصالحها، ولكنّها في الغالب تتركهم لمصيرهم عندما لا تكون لهم حاجة بهم، مُضيفًا أنّ الولايات المتحدة صديقة وحليفة أولى لإسرائيل، ولكن حتى لهذه الصداقة ثمة قيود واضحة، فمن الصعب مثلاً الافتراض بأنّ واشنطن ستكون مستعدةً حقًا لأن تُرسِل بالقوات ليقاتلوا إلى جانب إسرائيل إلّا إذا كانت هناك مصلحةً أمريكيّةً، على حدّ قوله.
ورأى زيسر أنّ نقطة نور معينة هي استعداد موسكو لأخذ المسؤولية، فروسيا ليست عدوًا لإسرائيل، حتى وإنْ هي في تحالف مع إيران وبشار الأسد، ومع ذلك فالروس مستعدون لأنْ يعملوا للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وعمليًا هم يفعلون أكثر ممّا فعل الأمريكيون، وفي كل الأحوال، هذه حاليًا هي اللعبة الوحيدة في المدينة. وختم قائلاً إنّ العالم الذي نعيش فيه هو عالم متهكم، بل ووحشيّ، وأنّه لا أمل أوْ احتمال لمَنْ ليس قويًا بما يكفي للدفاع عن نفسه، وبالتالي خير أنْ يُفهَم الأمر في إسرائيل، وتحديدًا الآن، حين تهرب الولايات المتحدة من سوريّة، قال المُستشرِق الإسرائيليّ بروفيسور زيسر.