نصرالله يؤكد هزيمة اميركا بإنسحابها ويضخ في الشعوب املاً بالمقاومة والنهوض
د. عصام نعمان
انتظرتُ بقلقٍ وشوق ، كما ملايين غيري ، مقابلةٌ مرتقبة للسيد حسن نصرالله بعد طول صمت. مبعثُ القلق حملة تقوّلات وتكهنّات وإشاعات حول صحة سيد المقاومة شوّشت الاذهان . لكن ، ما ان ظهر السيد على شاشات التلفزة بوجهٍ صبوح ونبرة قوية وكلام وازن موزون حتى تبدّدت الشكوك وعادت الثقة تملأ النفوس المتعطشة للحقيقة والامل.
ما سرّ هذا الشوق الى إستماع السيد ؟
إنه الجوع المزمن للصدق ومعرفة الحقيقة ، إفتقدهما العرب مع غياب جمال عبد الناصر ، وأحسوا بأنهم إستعادوهما مع بزوغ حسن نصرالله . أليس لافتاً ، بشهادة وسائل إعلام عدّة، ان الجمهور في كيان العدو الصهيوني يصدّق نصرالله اكثر مما يصدق زعماءه ؟ وان عدة أقنية تلفزيونية اسرائيلية كانت تنقل المقابلة مباشرةً بعد دقائق من بدء بثّها في بيروت ؟
في نحو 200 دقيقة كشف سيد المقاومة للناس حقائق كثيرة، وبعث للحكام والمسؤولين برسائل رادعة ، واستشرف احداثاً وتطورات مرجّحة في عالم العرب والعالم الاكبر.
لعل اهم مفاصل ما كشفه نصرالله ويستوجب الإنتباه والتعليق هي الآتية :
على صعيد الصراع مع “اسرائيل” سخر سيد المقاومة من ادعاء بنيامين نتنياهو ورئيس اركان حربه السابق الجنرال غادي ايزنكوت انه أمكن كشف وتعطيل كل الأنفاق على الحدود مع لبنان . قال نصرالله ان احد الأنفاق قديم ، عمره نحو 13 عاماً ، وربما يكون هناك انفاق اخرى كثيرة مثله . أكّد ان ثمة طرائق اخرى لإجتياح الجليل غير الأنفاق متوافرة على طول الحدود الممتدة بمسافةٍ تصل الى 100 كيلومتر.
الى ذلك اكد نصرالله ان غزة لن تموت جوعاً . مؤدّى ذلك ان إنفجاراً في وجه “اسرائيل” ينتظرها هناك اذا ما تمادت في خطة الحصار والتجويع والتعطيش ، واوحى بأن المقاومة في لبنان لن تكون مكتوفة الايدي في حال حصول الإنفحار.
سخر سيد المقاومة من ادعاء نتنياهو بأن سلاحه الجوي يضرب في سوريا لمنع قوافل الصواريخ من الوصول الى لبنان. ذكّر العدو بأنه سبق له ان اعلن في منتصف شهر ايلول/ سبتمبر الماضي ان “انتهى الامر ، تمّ الامر ، اُنجز الامر”. معنى ذلك ان المقاومة اصبح لديها ما تحتاجه من الصواريخ الدقيقة ، او بات في مقدورها تصنيعها محلياً ، وان مداها يصل الى اي موقع للعدو في فلسطين المحتلة ، ولاسيما تل ابيب. العدو يدرك ذلك ، وما يدّعيه نتنياهو من ذرائع ردعية يقوم بها في الساحة السورية هو من قبيل الترويج لشخصه في الإنتخابات.
الأهم من ذلك ، ان المقاومة تمتلك من الصواريخ الدقيقة عدداً كافياً للمواجهة في اي حرب قادمة.
على صعيد الصراع في سوريا وعليها ، يجزم نصرالله بأن سوريا انتصرت وانها في سبيلها الى استكمال الانتصار في شرق الفرات وفي ادلب. ليس ادل على ذلك من تراجع رجب طيب اردوغان عن تهديداته الهجومية دعوته الى تطبيق اتفاق اضنه. هذا الاتفاق ينص على تعاون البلدين لضبط امن الحدود بينهما ما يستدعي عودة الجيش السوري الى الإنتشار على طول حدود سوريا الشمالية ليصبح تطبيق الاتفاق ممكناً.
الأهم من ذلك كله – ولعله أهم ما ركّز عليه نصر الله في المقابلة – ان الولايات المتحدة ستنسحب بالتأكيد من سوريا ، وان دونالد ترامب صادق في ما يقوله بهذا الصدد. مردّ التأخير في الإنسحاب ان واشنطن حاولت ، عبر موسكو ، اقناع دمشق وطهران بأن يكون إنسحاب قواتها من سوريا مقروناً بإنسحاب قوات ايران. لا دمشق وافقت على هذه الصفقة الملغومة ولا طهران . لدى نصرالله اقتناع راسخ بأن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من مجمل الشرق الاوسط بدليل اعلان طالبان انها توصلت الى اتفاق معها على الإنسحاب من افغانستان في مهلة اقصاها 18 شهراً لقاء فك طالبان تعاونها مع سائر التنظيمات الإرهابية ولاسيما “القاعدة”.
إنسحاب اميركا الأكيد من مختلف انحاء الشرق الاوسط هو التطور الابرز والأهم في نظر نصرالله ، وان دول الخليج التي تدركه وتتحسب لتداعياته السياسية والامنية هي الآن في صدد إعادة نظر واسعة بسياساتها وحتى بتحالفاتها الاقليمية.
اكثر من ذلك ، اوحى نصرالله بل أشّر في المقابلة الى ان هزيمة اميركا في الشرق الاوسط هي الحدث الأهم والأبرز. هي الجائزة الكبرى التي استحقها محور المقاومة بمختلف اطرافه ، وانه سيكون للهزيمة المدوّية انعكاسات سلبية على “اسرائيل”.
الى ذلك كله ، ارى ان المقابلة-الحدث قدّمت الى شعوب المنطقة الرازحة في قاع اليأس والضياع جائزة اخرى اكبر وأثمن . إنها جرعة وافرة من الامل والرجاء ، الامل في القدرة على النهوض والفعل بإعتماد خيار المقاومة ونهجها ، والرجاء المستجاب بضرورة التغيّر والتغيير.