بوتين: زمن أمريكا البلطجية انتهى وإلى الأبد
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة
وقف الرئيس بوتين أمس بهيبة قيصرٍ عصريٍّ مشدود العضلات أنيقٍ ويتقن فن الخطابة، وجسده يتحدّث أجمل وأهمّ اللغات، وقد اختبر تكتيكات واستراتيجيات القتال الفردي والجمعي وتدرّب في الجيش وعمل في الامن، واتكأ على الخبراء والجيوبوليتيكيين.
عرف روسيا وطبائعها، ودرسها بدقّة، ويعرف تاريخها ومكانتها، فعزم مع فريقه أن يعيدها إلى مجدها، ويخرجها من حالة الانهيار الكارثيّ الذي عاشته…
أدار تحالفاته ومكانته ومقاومته بصمتٍ وبتقانة، حتى حملته التوازنات الى السلطة بانقلابٍ أبيض، وعبر اتفاقٍ مع يلتسين “سكّير” وعربيد موسكو.
لم يستعجل خطوةً قبل أوانها، ولم يعلن عن أمرٍ لا يستطيعه، لم يهوّل، ولا استعر ض عضلاته الصوتية أو صناعاته العسكريّة بالمناورات وبالاعلانات الصارخة، لم يهدّد قبل أن يمتلك ناصية القرار ويعرف حقائق التوازنات، ويدرك أنّه إن هدّد واضطرّ فعل، أو يصبح التهديد والمناورات والتصريحات النارية قيداً على صدقيّته وصدقيّة دولته، وإمكاناتها ومستقبلها…
هكذا بنى روسيا، فاستعاد من الفاسدين والناهبين والخونة ما أمكنه من ثرواتٍ ومن أموال، ولم يرضخ للتهويلات أو العقوبات أو التهديد بالحروب والاشتغال بقلبها “اوكرانيا” أو بأطرافها وبمحيطها الأمنيّ والاقتصادي.
أعاد تفعيل منظومات التفكير الاستراتيجية والجيواستراتيجية، وأعاد تفعيل الصناعات العسكرية، فقد ورثت روسيا الاتحاد السوفياتي وعلماءه وخبراته التي كانت تسبق الغرب مجتمعاً لخمسين سنة، وسقطت من الداخل ودون أن تؤتي بحركة عملية تجديدية أو انقلابية ثورية وليس لنقص سلاحها.
درست النخبة الروسية كل الاسباب التي أدت الى انهيار الاتحاد السوفياتي، وعملت بتؤدةٍ وبتصميمٍ ومثابرةٍ ودون الضجيج والاعلانات حتى بلغت درجةً تستطيع أن تتحدّى، وأن تضع تهديداتها موضع الإنفاذ العمليّ، ففي السياسات العالميّة، وفي توازنات القوى ومنطق الجيوبوليتيك لا تفيد العقائديات والعنتريات الكلامية الفارغة بلا قوة الأذرع وقدراتها…
أعلن بوتين انتقال روسيا من حالة الانكماش والعجز والعبث بها الى مرحلة التحوّل الى دولةٍ عالميةٍ قطبيةٍ مقرّرة، وأخذ السبق في إرسال قواته النوعية الى سورية في 30 ايلول 2015 وهو يعرف ان سورية منصّة تصعيد أو وأد الامبراطوريات وفي حربها العالمية العظمى تتجسد اكثر وتتالق، وأمسك بالملف وأدار سياسات ودبلوماسية عسكرية وأمنية وقادت روسية وانتصرت في أقوى الحروب ومنها الحرب الالكترونية والسيبرانية، والاستطلاع والحروب الجو- فضائية وأتقنت الجيل الرابع من الحروب وتحقّق مع الجيش العربي السوري وحلفائه أثمن وأغلى الانتصارات، واختبرت أسلحتها النوعية وعدّلت وغيّرت التشكيلات العسكرية والاسلحة بما يتناسب مع جديد العلوم وجديد الحروب ومسارحها وتنوعها وأسلحتها…
لم يتوانى لحظة عن استخدام الدبلوماسية النووية في سورية، واختبرها، وأعلن ان روسيا باتت جاهزة لخوض كل الحروب وتنتصر بها، وعندما حاول الامريكي عام 2018 الحدّ من النفوذ الروسي زاعماً تفوّقه العسكري أطلق بوتين في خطابٍ كمثل الذي فعله بالأمس وبنفس المناسبة ومع ذات ممثلي الامة الروسية، ومناطقها، فأعلن: ان روسيا تملك من الصواريخ والغواصات الفرط صوتية ما تعجز امريكا وغربها عن امتلاكه قبل عشر سنوات على الاقل، ثم استعرض الصواريخ والغواصات، ثم استخدمها فعليا تحت مراقبة البنتاغون الذي أكد أن روسيا نفّذت اكثر من خمسين مناورة محاكاة لقصف أمريكا بصواريخ الكنكال “الخنجر” وعانت الصواريخ والطائرات الاسرائيلية والامريكية من أخطر سلاح لم تعرفه بعد البشرية ولا امتلكته أمريكا وغربها “الكهرومغناطيس في سورية”.
في الميدان كان بوتين صادقا، وحقق ما سعى وما قاله، واستخدم سلاحه الجديد، وعندما اعلنت امريكا انها خرجت من معاهدة الحدّ من الصواريخ المتوسطة والقصيرة وزرعت قواعدها الصاروخية ودرعها في اوروبا ومحيط روسيا، قالها بوتين بصوته الجهوري وعلى الملأ، لن تكون اهدافنا القواعد الثانوية، ولا اوروبا وجغرافيتها، ولا جيوشها الخلبية، بل سنتعامل مع ادارة وقيادة ادارة الصواريخ والقواعد وسيكون هدفنا امريكا نفسها..
قوله ينم عن قدرات ابداعية، وواقعية عبقرية، فاوروبا شريك تاريخ وجغرافيا وعادات وثقافات وهو ساعٍ للمشروع الأوراسي وسينتصر، وهو العارف بالتشققات والصراعات بين امريكا ترامب والناتو والاتحاد الاوروبي، وهو العسكري المحترف، والامني المشهود له ولاعب الجودو الذي يعرف أين ومتى يوجّه الضربة القاضية ويحسم المباراة.
أمس أسدل بوتين الستار على قرنين تفرّدت بهما امريكا وتحكّمت وظلمت وبلطجت كثيرا، لأنها كانت تحتمي من الامم والشعوب وجيوشها خلف المحيطات ولم يكن أحدٌ يستطيع الوصول اليها.
بوتين حسم الامر وأنهى أزمنة أمريكا وبلطجتها، فأمريكا نفسها ستكون مسرح الحروب الآتية، وبذلك قال للأمريكيين انتهى زمنكم فاعرفوا قدركم وقدراتكم، ولم يعد لكم الحول والطول أو صولات التدمير والابادة دون ان تبتلوا بها أنتم وأوّلاً.