رؤية الناصرية.. لثورة الشعب المصري (1919م)
د. جمال زهران
نظمت وزارة الثقافة في إطار موجة “المئويات”، احتفالية علمية بثورة 1919م، على مدار ثلاثة أيام في الفترة من السبت 16- الاثنين 18- مارس 2019م، وذلك بمقر المجلس الأعلى للثقافة. وأعطت مسئولية الإعداد لهذا المؤتمر العلمي للسيد/ فخري أبو النور (سكرتير عام حزب الوفد الأسبق)، الأمر الذي كان يمثل انحيازًا أوليًا من ناحيتين. الأولى هو انحياز سياسي وكأن حزب الوفد هو ثورة 1919م، ووريثها!! وهذا غير صحيح، والثانية: أنه شخصية سياسية – له كل الاحترام – وليس بشخصية علمية أكاديمية يمكن إسناد هذا المهمة العلمية له، بديلاً عن شخصية أكاديمية في التاريخ أو السياسة.
وعلى أية حال فهو جهد مشكور، لكن أرى من الواجب أن توضع الأمور في نصابها، إعمالاً لصحيح ما يجب اتباعه في مثل هذه الأمور. ففي الوقت الذي رعت الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، احتفالية بثورة 1919م، بتنظيم مؤتمر علمي استمر ثلاثة أيام وبجلسات متوازية في نفس الوقت وافتتاح رسمي في المسرح الصغير بالأوبرا، لم نجد الدولة تنظم أو ترعى احتفالية بمئوية الزعيم جمال عبد الناصر، وهو أول تفكير في تنظيم المئويات التي تكررت لصالح شخصيات دون المستوى ولم تحظى بقبول جماهيري!!. بل ان الذي حدث في تنظيم مئوية عبد الناصر هو أن فريق عمل شعبي تشرفت بالمشاركة فيه عدة جلسات وفي الافتتاحية، تولى إعداد الاحتفالية وتنظيم مؤتمر دون رعاية مباشرة للدولة، اللهم إلا التسهيل بإتاحة بعض المقرات وحضور الوزيرة د. إيناس عبد الدايم مؤتمر الافتتاح فور حلفها لليمين.
واستمرت احتفالية مئوية عبد الناصر شعبيًا لمدة عام كامل هو 2018م وختامها كان في بورسعيد، تشرفت بالمشاركة فيها، بتنسيق الكاتب محمد الشافعي وآخرين.
المهم أنني شاركت في اليوم الثالث لهذه الندوة العلمية وحضرت جلسات هذا اليوم في الصباح وإلى ما بعد الظهر وخاصة الجلسة التي تضمنت الرؤية الناصرية لثورة 1919م، وشارك في هذه الجلسة د. جمال شقرة، د. عماد أبو غازي، أ. عبد العظيم حماد، وآخرين وأدار الجلسة د. أحمد الشربيني. وحضرها عدد من القامات العلمية الأكاديمية والكثير من طلاب المتحدثين وأغلبهم ينتمون إلى المدرسة التاريخية، ومن بين الحضور دكتورة/ هدى عبد الناصر.
وقد عرضت مداخلة من جانبي تتعلق بالرؤية الناصرية وأساسها الفلسفي والسياسي، تعليقًا على المتحدثين على المنصة. حيث دارت مداخلتي حول ضرورة التركيز على رؤية عبد الناصر ونظامه ووثائقه. ومن خلال دراستي العلمية لموقف ناصر والثورة من ثورة 1919م، أشرت إلى أن الزعيم جمال عبد الناصر من بدايات خطبه ووثيقته فلسفة الثورة ووثيقة الميثاق، وعلى مدار خطبه كلها، لم ينال من ثورة 1919م إلا بالتقدير والاحترام.
ففي خطاب عيد الثورة الأول (22/7/1953)، قال ناصر: “ان الاستعمار استطاع أن يقضي على ثورة 1919م، واستمر أعوان الاستعمار يعاونونه، حتى فشلت الثورة..”. وفي الميثاق الوطني الذي صدر عام 1962م، أشاد بثورة عرابي عام 1982م، باعتبارها قمة رد الفعل الثوري ضد النكسة، وكان الاحتلال البريطاني
العسكري لمصر سنة 1882م، هو التعبير عن إرادة الاستعمار وسلطة الخديوي ضد الشعب، في استمرار بقاء النكسة ومواصلة القهر والاستغلال ضد شعب مصر.
وما بين أحمد عرابي حتى 1919م بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. وركب سعد زغلول قمة الموجة الثورية الجديدة، يقود النضال الشعبي العنيد الذي وجهت إليه
الضربات المتلاحقة أكثر من (100) عام متواصلة دون أن يستسلم أو ينهزم.
وتضمن الميثاق عبارة واضحة هي: “أن ثورة الشعب المصري سنة 1919م، تستحق الدراسة الطويلة، فإن الأسباب التي أدت إلى فشلها، هي نفس الأسباب التي
حركت حوافز الثورة في سنة 1952م”.
وتكررت هذه العبارات وبصياغات مختلفة في خطب عبد الناصر، ووثائق الثورة، كما أشرت، وهي ترتكز على عدة أسس هي:-
1- أن ثورة 1919م، هي فعل شعبي، ومن ثم فلها كل التقدير والاحترام، بعيدًا عن الأشخاص.
2- أن ثورة 1919م هي مرحلة من التحركات الشعبية والانتفاضات الثورية من الشعب لاسترداد حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال، ولم تكن نبتا
شيطانيا، بل تتويجًا لما سبقها في قيام ثورة عرابي، وأصوات مصطفى كامل ومحمد فريد، والكثير من المفكرين أمثال محمد عبده، ولطفي السيد، وقاسم أمين، وغيرهم
ممن نادوا بأن تكون مصر للمصريين وبتحرير المرأة وبالإصلاح الديني الحقيقي.
3- أن الرؤية الناصرية تجاه ثورة الشعب في 1919م، ترى أن فشل الثورة في تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال، هو الذي كان سببًا في قيام الثورة في
23 يوليو 1952م.
4- أن الناصرية ترى أن الشعب المصري في قيامه ببطولات ثورية كبرى، هو الذي يسعى إلى فرض إرادته على الجميع، ومن ثم فإن كل انتفاضاته هي
حلقات متصلة، لا يمكن إنكار إحداها لصالح أخرى. فكل حلقة هي تتويج لما سبقها وبداية لما بعدها. لذلك فعبد الناصر كان دائم التأكيد على أن الشعب هو السيد،
وصاحب السيادة والسلطة، والمسئولون في مواقعهم هم “خدام” هذا الشعب. بل أنه أعلى من قيمة الشعب حينما وصل به إلى أنه الملهم للسياسيين في صياغة
مشروعات النهضة. ولذلك خاض بالشعب معارك التحرر والاستقلال ونجح في ذلك تمامًا.
5- أنه لم يتمخض عن ثورة 1919م، أية إنجازات كما يزعم البعض أنها حققت الديموقراطية، وحققت دستور 1923م، وتناسى هؤلاء أن الدستور تم إيقافه
في عام 1929م، وعاد تحت الضغط الشعبي عام 1933م، وتأسست جماعة الإخوان 1928م، بتخطيط إنجليزي لتكون شوكة في ظهر العمل السياسي والديموقراطي
وتوظيف للدين في السياسة، وأن حزب الوفد الذي أيده الشعب، لم يحكم سوى (7) سنوات فقط، ولم يستطع قيادة النضال الشعبي الحقيقي وانفصل عن الشعب. ولم
يستطع تحرير أو استقلال مصر، إلى أن قامت ثورة 23 يوليو 1952م، وترجمة الحرية والاستقلال قولاً وفعلاً.
ولذلك ما كان ينبغي مجاملة الدولة لحزب الوفد الحالي وكأنه صانع ثورة 1919م، وهو ما لم يكن موجودًا أصلاً، بل تشكل بعد سنوات من قيام الثورة.
د. جمال زهـران