ترامب والجولان: فصل من كوميديا السياسة
ادريس هاني
على الرغم من مواجع الحرب على سوريا وما خلّفته من كوارث مسّت الأرواح والبنى التحتية، إلاّ أنها لم تعدم أبعاداً كوميديّةً لشدّة ما بلغته من إسفاف… فالمأساوي إذا زاد عن حدّه تحوّل إلى كوميديا مفارقة…
قبل سنوات، وتحديدا في 2012م، كتبت عن كوميديا إسقاط الأسد في الإعلام العربي… يومها كان الضحك يمزّق الأفواه ولا شيء يعلو على صوت التّفاهة…
تستمر أساليب الحرب النفسية في استعراضيتها لتصبح هي الأخرى شكلا من الكوميديا… يعلن ترامب عن اعترافه بأنّ الجولان هي أرض تابعة للكيان الصهيوني… هل هو وعد بلفور2؟ هل هو تكتيك مقاول يمتهن حرفة بيع الفضولي ينتظر إمضاء برسم الهزيمة التي ساقت الكثير من الدول العربية للسقوط في تنازلات مجّانية ليس لها أي معنى عند بائع الأرض…؟
غير أنّ هذا الجنون الذي وضع قضية الجولان المعقدة تحسم على صفحة تويتر كما لو أنّ سوريا انهزمت في معركتها ضدّ الإمبريالية التي عبّر عن أهدافها الكبرى ترامب، لم يفعل أكثر من بكاء حظّ سياسي عاثر… المعارضة السورية أظهرت بدورها الكثير من التّفاهة باعتبارها غير معنية بالجولان ولا بأي شيء له علاقة بسيادة الكيان السّوري… اليوم هناك صراع حول ما تمّ نهبه من مساعدات أمريكية بين فلول المعارضة… نهب المال العام الثّورجي…
منذ سنوات وهم يقولون لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان، غير أنّنا لم نسمع منهم ولا ” طأّة حنك” عن الجولان في الوقت الذي يعلم الجميع أنّ الجولان باتت جزءا من عقيدة سوريا _الأسد، وبأنّ المعركة منذ البداية على سوريا هي استخفاف بالعرب وبالشعوب العربية وكرامتها قبل أن تكون مطلبا لتكريس الديمقراطية في دمشق من خلال محاصرة وقتل الشعب السوي نفسه وتهجيره..
وأمام هذا الشكل من الكوميديا كان لا بدّ أن يأتي الجواب من النجم الكوميدي السوري دريد لحام، دريد الذي قدّم عبر عقود في مسرحياته التي مادّة تعليمية للشعوب والنخب العربية كيف تكون حرّة وثائرة… كاسك يا وطن، هل يزايد حرافيش الثوروية على دريد لحام الذي أدرك مهزلة الثورجية؟ جاء الرد من غوار الطوشة وهو يعتمر قبعة مكسيكية موقعا على ورقة تقضي بتسليم كاليفورنيا إلى تكساس…
في الحرب على الإسفاف يجب أن نضحك قليلا… فهم أرادوا أن يسلبوا منّا غريزة الضّحك… غير أنّ ترامب ساعد الجميع على اكتشاف هذه الملكة بكثير من العنفوان… التحرّش بالوحدة الترابية السورية هو جوهر الصراع، وهاهم اليوم يريدون تحقيق ما فشلوا في تحقيقه بالحرب عن طريق الكوميديا البلهاء…
كان بإمكان حافظ الأسد أن يسترجع هضبة الجولان فيما لو قبل بالشروط الاستسلامية المرافقة… رفض كل الشروط لأنّه لم يرد أن يقايض جزء من تراب سوريا الوطني بالسيادة الوطنية… كان الأسد يستحضر التاريخ وهو يفاوض على الجغرافيا… الجولان مفتوحة على كل الخيارات، المهم كيف تعود لا متى تعود.. لقد عادت سيناء لكن بشروط لا زالت ترهن جزءاً من السيادة المصرية لكامب ديفيد… كل الجولات المكوكية لهنري كيسنجر كانت تهدف إحراز صلح بين “إسرائيل” وسوريا على الأرضية نفسها لاتفاقية كامب ديفيد… لم تقايض سوريا على وحدتها الترابية ولا على انتصارها الأخير…
كل شيء هنا وجب أن يتمّ من دون شروط مسبقة..