الأمبريالية واحتلال اللغة
ادريس هاني
إنّ خطر السياسة على اللغة وتأثير الإمبريالية والرجعية على المعجم اللّفظي واضح..إنهم يتقاسمون معنا ذات المعجم ويمكنهم أن يحتلوا الكلمات، وليس هناك من سبيل للمقاومة سوى بإعادة تأهيل اللغة والمفاهيم بإضافة مزيد من المعنى وفي حال غلب الإعلام الرجعي وجب التّوسل بسلطة المرادف..إنّ المرادف حلّ جزئي وفسحة أمل وهروب من التّلوّث اللّفظي..
وفي السنوات الأخيرة اختُرق معجم الألفاظ العربية وباتت للكلمات معاني غريبة تجنح خارج المعنى التواضعي وباتت الكلمات أدوات جديدة في تقويض الوعي..ومن ذلك على سبيل المثال كلمة اعتدال..فهي كلمة تم اختراقها حيث لعبت الميديا دورا كبيرا في ربط المفهوم بسياسات معيّنة..لقد استطاعوا أن يجعلوا الاعتدال عنوانا للرجعية ومخططاتها، وهذا يعني أنّ الحرب في المنطقة استهدفت العقل العربي واللغة العربية والمفاهيم العربية في الصّميم..حين تشاركك الرجعية المعجم اللغوي نفسه فإن المعركة تنتقل إلى الكلمات والحروف وكل ما له علاقة بالثقافة والعقل العربيين..المهمّة اليوم تقضي بتنظيف اللغة العربية وتطهيرها من الإلتباس..وذلك بالاستدارك على ما هو متداول بموسوعة من البيان والتبيين ومحق كلّ آثار الرجعية في كلام العرب المعاصر..
تمّ تهريب عبارة الاعتدال وجعلها عنوان مشروع تقويض الحقّ العربي في السيادة والمقاومة والتّرقّي..فبات الاعتدال برسم التبعية له معنى الخضوع والاستسلام والقبول بمخرجات الاحتلال..يلعب السياق دورا كبيرا في تحديد المعنى..فمن هو في نظر المحتل معتدل معناه من يقبل بالاحتلال..ومن يقبل بشروط الإمبريالية في تدبير السياسات فهو من يرعى مصالحها..ومن خالف ذلك فهو ليس معتدلا..لا يتحدد مفهوم الاعتدال اليوم في معجمنا اللغوي بل في تأويل السياسات..إنّ الإمبريالية والرجعية تحرف الكلام عن مواضعه..
يلعب الإعلام دورا في تعزيز التحريف اللغوي..تعتمد الميديا على لعبة التكرار وهو كافي لمحو المعاني القديمة وإحلال المعاني الجديدة..وهو ما يكسب المعاني الجديدة المزيّفة قوة تداولية مفرطة..لا مجال لإحصاء عدد المرات التي استعملت فيها عبارة اعتدال في سياق تموضع الرجعية في طليعة التنوير والتغيير بينما كانت دائمة راعية الجمود..بعد سنوات من احتلال اللغة العربية آن الأوان لحركة تصحيحية عميقة وذكية لتدبير مخرجات اللغة المقاومة للزّيف..يحتاج الأمر إلى دُربة في فقه اللغة وذكاء في السوسيو_لسانيات وخبرة في التداوليّات واستيعاب لأدرع الإمبريالية وامتداداتها..تبقى صلة اللغة بالفكر عميقة وممتدة عبر تاريخ من التفكر والتّكلّم..حين نفكّر بشكل مختلف علينا أن نعزز المضمون اللّغوي خارج السلطة التداولية للزّيف..المقاومة اليوم نمارسه في الكلام واللغة وتدبير المترادفات، إن اليقظة اللغوية جزء من معركة مصيرية..وإذا لم نخوض في المقاومة اللغوية فسنجد أنفسنا يومئذ في وضع احتلال لغوي كامل، وحينئذ وجب أن نقاوم بالصّمت…
ادريس هاني:23/3/2019