مصلحة ترامب في التصعيد العسكري مع إيران
صبحي غندور*
يبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وصل إلى قناعة بأنّ مصلحته السياسية الشخصية تقتضي الآن التصعيد العسكري مع إيران وعدم الأكتفاء بالضغوطات الإقتصادية التي يمارسها على الحكومة الإيرانية وعلى كل من يشتري نفطها. فتطورات الوضع الداخلي الأميركي لجهة نتائج تحقيقات روبرت موللر لم تنتهِ كما كان يشتهي ترامب بل هناك مؤشرات بأن مجلس النواب الأميركي سيفرض على موللر المثول أمامه في منتصف هذا الشهر، إضافة إلى إصرار الديمقراطيين في الكونغرس على مواصلة الضغوطات لكشف قضايا ترامب المالية وهو أمر يرفض الرئيس الأميركي حدوثه.
أيضاً، هناك إمكانية لنزع ثقة مجلس النواب من المدعي العام الأميركي (وزير العدل) وليام بار بعدما حدث في شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ ثمّ رفضه الشهادة أمام مجلس النواب. وهناك تصاعد بالمطالبة في عزل ترامب وسط الأعضاء الديمقراطيين بمجلسي الكونغرس ومن بعض المرشحين منهم لمنصب الرئاسة مما يُضيّق مساحة المناورة السياسية لترامب بعد هذه التطورات الداخلية كلّها ويفسح المجال أمام إدانة الرئيس وكشف ما لم يُعرف حتى الآن عن أوضاعه المالية وعن علاقة روسيا مع حملته الأنتخابية في العام 2016.
لذلك، فإنّ التصعيد مع إيران الآن، ولو بشكل عمليات عسكرية محدودة، سيكون هو الضمانة السياسية لأستمرار ترامب في الحكم ولتهميش التحقيقات كلّها ولتحويل اهتمام الإعلام والرأي العام الأميركي والعالمي نحو التصعيد مع إيران، عِلماً بأنّ الأميركيين يقفون عادة خلف رئيسهم حينما تخوض الولايات المتحدة أي حرب خارجية.
وكان ملفتاً للأنتباه ما حدث خلال الأيام الماضية من تسارع في المواقف الأميركية تجاه إيران مهّد لها ترامب يوم الجمعة الماضي بإتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحوالي 90 دقيقة، حيث كان الملف الإيراني حاضراً حتماً في هذه المكالمة الهاتفية الطويلة. ولا استبعد أن يكون ترامب قد ابلغ بوتين عن نيته التصعيد مع إيران وعن قراره بتعزيز القوات الأميركية في البحر المتوسط وفي الخليج العربي، وبأنّ روسيا غير مستهدفة بذلك، وبأنّ هناك مصلحة روسية مشتركة مع ترامب في نقل اهتمام الأميركيين من مسألة التحقيقات عن دور روسيا بالأنتخابات الأميركية إلى كيفية التعامل مع إيران في عموم الشرق الأوسط.
وبعد يومين من هذا الإتصال الهاتفي أعلن جون بولتون مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي عن القرار بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وهو أمر تعلنه عادة وزارة الدفاع، مما يُعزز الأستنتاج بأنّ جملة خطوات جرى إقرارها من قبل ترامب ومستشاريه تتعلق بالمواجهة مع إيران، كان من ضمنها الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية مايك بومبيو للعراق وما ادلى به من تصريحات تتعلق بإيران.
طبعاً، يُدرك ترامب مخاطر أي تصعيد عسكري أميركي ضد إيران، وهو أمر لم يقدم عليه الرئيس جورج بوش الأبن رغم ضغوطات “المحافظين الجدد” في إدارته ورغم التشجيع الإسرائيلي على ذلك خلال العام 2007 وقبله، ورغم قيام تلك الإدارة بغزو العراق بدون أي مرجعية دولية. وفي تقديري، فإنّ ترامب لم يكن راغباً في السنتين الماضيتين من الوصول إلى حافة الأعمال العسكرية ضد إيران رغم تبنيه الكامل لأجندة نتنياهو التي تنشد التصعيد، والتي عملت وتعمل لتهميش القضية الفلسطينية ولتعريب وأسلمة الصراعات في المنطقة. ترامب تبنّى أجندة نتنياهو حتى قبل وصوله للرئاسة الأميركية، إن كان لجهة التصعيد ضد إيران والأنسحاب من الإتفاق الدولي معها أو لجهة كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية. وتطورات الوضع الداخلي الأميركي الآن تجعل ترامب يضع مصالحه السياسية الشخصية أولاً وليس طبعاً المصالح الأميركية.
أيضاً، ربما يراهن ترامب على أنّ التصعيد ضد إيران سيجعل العديد من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يقفون معه كما اتحدوا ضد الرئيس السابق أوباما بعد توقيعه الإتفاق مع إيران، إضافة للمراهنة على دعم قوى “اللوبي” المؤيدة لإسرائيل ولشركات ومصانع الأسلحة التي تستفيد من أي حرب خارجية تخوضها الولايات المتحدة.
أليس مثيراً للعجب كيف أنّ الرئيس الأميركي ترامب ينذر ويتوعد إيران التي وقّعت إتفاقاً دولياً برعاية أميركية بينما يغازل ترامب زعيم كوريا الشمالية كيم جون أون رغم تصلّبه بشأن ملفه النووي والتهديدات التي اطلقها في العام الماضي عن تدمير أميركا واستمراره بإطلاق الصواريخ البالستية؟!. لكن يبدو أنّ “أجندة نتنياهو” لم تشمل بعد شبه الجزيرة الكورية!.
هناك احتقان كبير يحدث الآن بين واشنطن وطهران ولا اراه سينتهي بمفاوضات ولا بتسويات سياسية، فالتنازلات مستبعدة أميركياً وإيرانياً، ولن نشهد قمة أميركية – إيرانية على غرار ما حدث في الأزمة مع كوريا الشمالية. فعسى أن لا تكون خاتمة هذا الأحتقان انفجار كبير بالمنطقة يحرق ما تبقى فيها من الأخضر واليابس!.