تحقيقُ السلام أصعبُ من الرغبة فيه
علماء في الانسانيات اعتبروا «إن اللغز الحقيقي لعلماء الاجتماع، ليس الحرب والعنف، بل هو ظاهرةٌ غير مألوفة، ألا وهي تحقيقُ السلام».
وبينما ألّف الباحثون مئات الكتب ووضعوا الفرضيات والنظريّات بشأن الحرب؛ فقد استطاع الخبث السياسي ودهاته اختراع مفاهيم صوريّة، وأخرى ذات طابع نفعيّ بحت، من قبيل «السلام المستدام»، و«السلام العقابي»، و«السلام الديمقراطي».. وتمّ تدوين السلام كاحتفالية (مدنيّة) أيضاً، صوّتت من أجله الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع للاعتراف به دولياً (21 من أيلول)، بينما فشلوا في تحقيق أبسط شروطه، ألا وهو احترامُ قوانين الشرعية الدولية، واحترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها، واحترام حقوق الإنسان.
والسبب أنّ الموجّه الأول في بنية النظام العالمي، والمحتوى الأساس للصندوق الأسود لدى بعض القوى العظمى في العالم؛ هو اعتماد سياسات تمليها، وتفرضها الضرورات، لأن الغايات السياسيّة الخارجيّة تسوّغ الوسيلة في «الذهن البراغماتي» العالمي الذي يدير الساحة السياسية، ويحرّك خيوطها.
والمضحك في دراسة علماء السياسة بشأن الحرب هو نتائجهم، إذ يقول بعض المؤرخين: الحرب العالميّة الأولى نشبت عن غير قصد!! وإنها كانت مجرد خلافات لاغير و«سوء فهم» أوقد القنابل، وليس لأن أحداً ما وضع خطةً كبرى..
دمارٌ.. وقتلٌ.. ودماء.. وتهجير.. وجوع.. فما أصعب توصيف ما يحصل من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واختزاله بكلمتين: «سوء فهم»!!
ومادام «سوء الفهم» قد أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى ونتائجها الكارثية فلمَ كانت الحرب العالمية الثانية فيما بعد؟! ومن بعدها الحروب الحديثة التي لن يكون آخرها ما يسمى «الربيع العربي» الذي أشعل المنطقة العربية بهدف تفتيتها وتجزئتها وإضعافها كرمى «الأمن الإسرائيلي» و«تسيّد إسرائيل»، وتناسلت منه حروب مازالت تتكاثر بلبوس إنساني كاذب «الحرب على الإرهاب»؟! وعلى أقل تقدير لِمَ ثمة وجود للكيان الصهيوني المحتل على أرضنا؟!.
ولِمَ كانت صناعة القتل الممنهجة التي تنبع من ذهنية إجرامية بحتة؟!
وكذلك التنظيمات الإرهابية المحدثة تحت رايات وفصائل ملوّنة، راعيها واحد، في كل زمان ومكان؟!
إنّ السلام الذي يدّعونه وبكلّ تصنيفاته هو سلام عقيم، مادام الصراع الشره هو البوصلة الأساس التي لن تستطيع بعثه من تحت الرماد حياً.
يوم أمس، احتفت الأمم المتحدة باليوم العالمي للسلام، وعلى مسمعها أزيز الرصاص، ونشراتها السياسيّة الملطّخة بدماء الأبرياء مكدّسةٌ في دروج مكاتبها الفخمة.
وأخبار الاعتداءات تتوالى، والانتهاك السافر للقانون الدولي على أشدّه من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة، وتركيا من جهة أخرى، بينما ميدان الدولة السورية ذات السيادة والحقوق المشروعة يردّ وبحزم على كل تطاول أو احتلال أو حتى قرار يمسّ وحدتها وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها.
وفي حين يستمر العقل العثماني، ممثلاً برأس أردوغان الطامع لتحقيق «أمجاد» أسلافه تحت ذرائع «إنسانية» كاذبة، وأخرى تلبي تطلّعات أنقرة، تتعدد المصالح والاختلافات ما بين أمريكا وتركيا بشأن ما يسمى «المنطقة الآمنة»، وكأن العالم مشاع وأرضٌ بكرٌ، ينتظرهما كمخلِّص، يحق لهما التفاوض لتقرير مصيره.
تركيا أردوغان المتضخمة «الأنا»، التي باتت ترى أن نجمها بزغ، وأمامها مدار كامل ينتظرها، وعصارة الربيع تدبّ في أوصالها؛ ستلقى أحلامها حتفها في القريب العاجل ، مادامت تائهة في الفلك السوري الذي أثبت ومازال أن جميع أعدائه في عرينه أقزام.. وواشنطن وحلفاؤها مهما عظمت مطامعهم، ستجابههم الشعوب الحيّة الباحثة أبداً عن إحلال السلام الحقيقي الذي سيكون بلون الحرب، إن لم تنصت تلك الدول لنداء العدالة والإنسانية والأخلاق.
محمد البيرق