Featuredمتفرقاتمقالات مختارة

قطع الطرقات، قَطَع الطريق على الحراك


أمين أبوراشد

محاولة البعض قطع الطرقات الرئيسية بالجدران أو بسواها، إستفزازٌ لجزء كبير من اللبنانيين الذين تعطَّلت أعمالهم ، إضافة الى تململ عشرات الآلاف الذين نزِلوا ساحات التظاهر وتمّ قطع الطريق على مشاركتهم بالإعتصامات لتحقيق مطالبهم المعيشية، وخلوّ ساحتي رياض الصلح والشهداء لصالح قطع الطُرق، قَطعَ الطريق على هذا الحراك المطلبي واختطفه الى الزواريب السياسية المظلمة.
والمشكلة أن هذا الحراك الذي عَجِز عن تشكيل لجنة تمثيلية لمقابلة رئيس الجمهورية، قد وَجَد من يُمثِّله في عشاء الموفد الفرنسي، بحيث بات دور هؤلاء المُمثِّلين بروتوكولياً وديبلوماسياً.
نفهم السياسة أنها فعل مُشاركة بإدارة الشأن العام، ومتى اختلف فرقاء في تكتيك العمل، فمن المستحيل تحقيق استراتيجية الهدف، وهو ما حصل لهذا الحراك بعد اليوم الثالث من بدئه، لأن الأهداف المطلبية كانت في واد، وتنفيذ الأجندة الأميركية لزرع الفوضى الخلَّاقة في لبنان بوادٍ آخر، ولذلك، بات هناك افتراق وطلاق على المستوى التكتيكي والإستراتيجي، لدرجة أن مؤيِّدي الحراك المطلبي باتوا الأكثر امتعاضاً من تكتيك قطع الطرقات، خاصة أن الجهات الحزبية التي تقود قاطعي الطرقات باتت معروفة، والأشخاص الذين يتولُّون التحريض على قطع الطرقات باتوا معروفين بالأسماء من الشمال الى خلدة ومن الشوف الى البقاع.

ولأن “فريق السفارات” الذي يُهلِّل لتصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ويتولَّى قطع الطرقات لزرع الفوض قد بنى جدراناً مع آلاف المتظاهرين، إضافة الى ملايين اللبنانيين الذين يقرأون جيداً البذور الفاسدة المزروعة في هذا الحراك، لذلك، نُلفِت النظر لعدم جدوى غوغائية الممارسة في الشارع، كما حصل عند تجهيز شاحنات مكعبات الإسمنت والإطارات قبل بدء الرئيس عون مقابلته الصحفية الأخيرة، الى تحريف كلامه لإيقاد “الثورة” في النفوس، الى الإستنسابية في إطلاق عبارة “كلُّن يعني كلُّن” ووصولاً الى ردَّات الفعل حول حكومة تكنو- سياسية، وهنا نبلغ بيت القصيد.

عندما نقول أن كل الشعب اللبناني مُسيَّس، فإننا نعني أنه مُثقَّف وواعٍ لما يدور حوله حتى خلف الكواليس وداخل الغُرف السوداء، ويُدرِك ما يُحاك للوطن من مؤامرات وحروب تُشَنُّ عليه، وآخرها حرب “الجيل الرابع” الحالية التي وصَّفها الرئيس عون، والتي تعتمد على آذان الناس في تلقِّي الترهيب على المستويات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية، وتعتمد أيضاً على حناجر من لا يفقهون معنى حكومة تكنوقراط مُستقلَّة عن السياسة في هذه الظروف!

حكومة التكنوقراط المُستقلّة تعني، تعيين وزراء مُجرَّدين من أي دعم سياسي أو حزبي، ومطلوبٌ من هكذا حكومة العمل بلا غطاء نيابي ولا شعبي، ولذلك فهي فاشلة حُكماً في تنفيذ مطالب الناس من قبل أن تُشكَّل، وهي عُرضة للمماحكات السياسية من الكتل النيابية في المجلس، ولذلك جاءت فكرة حكومة تكنو- سياسية تعتمد برامج وخطط عمل واضحة ولديها غطاء برلماني/ شعبي.
ومع احترامنا لكافة وزراء حكومة تصريف الأعمال، فإن لدينا نماذج عن وزراء فيها يُمثِّلون قواهم السياسية وهُم في نفس الوقت تكنوقراط، ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر وزير الصحَّة الدكتور جميل جبق ووزيرة الطاقة السيدة ندى البستاني، ليس فقط لإنتمائهما السياسي أو الحزبي، ولا لأنهما فقط مُلِمَّان علمياً وعملياً بوزارتيهما، بل لأنهما أيضاً من أهل الهمَّة والجدارة في العمل، ولأنهما حملا هموم الإدارة الوزارية البحتة لخدمة لبنان كل لبنان في أصدق مثالٍ يحلم به الشعب في ممارسة الشأن العام وهذا هو مفهومنا للسياسة متى صَفَت نوايا البعض وصمُّوا آذانهم عن أبواق السفارات، التي تعتقد أن أميركا ومعها الأدوات الخليجية والعدو الصهيوني، الذين انهزموا في الإقليم ولبنان، قادرون على خراب وطننا عبر حرب “الجيل الرابع”، وإنهم والله لواهمون…

المصدر: موقع المنار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى