مقالات مختارة

من تبعات كلمات السيّد..‏ ما الذي يحدث في لبنان؟

 دجمال زهران*

نقلا عن موقع صحيفة البناء

د. جمال زهران*

كان للكلمات التي أطلقها السيد حسن نصر الله – الأمين العام لحزب الله في لبنان – الذي ينطلق من أرضية عروبية قوميّة، وذلك في آخر أحاديثه الذي استمرّ نحو الساعتين، قدّم فيه رؤية شاملة محلياً إقليمياً ودولياً، الأثر الكبير في تحريك الشارع اللبناني واستنفار قواه الحية. ولذلك وجدنا الإعلام المضاد، وإطلاق الشائعات، وتحرّك القوى المضادة بعيداً عن قوى الحراك الشعبي الحقيقي الذي أشار إليه السيد، بأنه سواء انتفاضة أو ثورة أو حراكاً، فهو الشعب. هذه القوى الحقيقية للثورة في لبنان، لم تتحرّك مرة أخرى، مع القوى المضادة التي لا ترغب الخير للبنان ولا لشعبه، بل يتحرّكون كدمى في أيدي القوى الأجنبية لإشعال الفتنة في لبنان، وجرّ البلاد إلى الفقر، ثم الحرب، بإعادة إنتاج فترات سابقة من السبعينيّات في القرن الماضي!

لقد أطلقت الشائعات باستقالة أو تعديلات على الحكومة برئاسة د. حسن دياب، بقصد بث الفرقة والفتنة والعودة إلى المربع الأول، للدفع مرة أخرى بالحريري إلى واجهة المشهد ليُعيد إنتاج خيارات الفساد والرأسماليّة المتوحّشة!

لقد أطلقت أيادي الجشع والفساد، لضرب الليرة اللبنانية وهي العملة الوطنيّة للبلاد، حتى وصلت في سابقة تاريخية لم تشهدها لبنان من قبل، إلى ما يتجاوز الـ (10) آلاف ليرة مقابل الدولار! والإصرار على هذا الربط الفج، سواء بحكم وتأثير قوى الفساد على حاكم المصرف المركزي في لبنان رياض سلامة، والموجّه لهم اتهامات لا حدود لها، وسط حماية من أطراف في الحكم وأطراف في صفوف القوى المضادة للشعب!

في الوقت نفسه الذي تحرص فيه الحكومة على معادلة الدولار بالليرة اللبنانية، بسعر (1500) ليرة، للتحكم في سعر المواد الأساسية للشعب من خبز، ومن غاز وكهرباء ودواء، وهو نجاح لا شك فيه.

في الوقت ذاته فإنّ المحادثات مستمرة مع صندوق النقد والبنك الدولي، ووراء ذلك أميركا بالطبع، لعدم تمكين لبنان من الحفاظ على استقلاليته ومحاولة فرض شروطهما على الحكومة اللبنانية بإطلاق قوى السوق، وتحريك ملفات «الفيول، والاتصالات، والخبز، والدواء… الخ)، في اتجاه متطلبات الصندوق والبنك. إلا أن الحكومة اللبنانية ترفض هذه الشروط، وترفض الاستجابة بما يضر الشعب اللبناني الذي كان له الفضل في إنجاز حراك شعبيّ وصل للثورة على الفساد، وانعدام العدالة، وضرب التمييزات الطائفية وغيرها. وقد تعهّدت الحكومة برئاسة د. دياب بمساندة الشعب والوفاء بمتطلباته.

إلا أنّ الحادث فوق كل ذلك، هو ذلك التدخل السافر بين السفيرة الأميركيّة في بيروت، (دوروثي شيا)، وهي عسكرية الأصل، وتمّ نقلها من تل أبيب في مطلع عام 2020، بهدف تأزيم الأوضاع في لبنان، وفرض الرقابة على تنفيذ القرارات الأميركيّة في شأن قانون قيصر ضد سورية، وفرض العقوبات على المقاومة اللبنانيّة وحزب الله ورجاله. فهذا التدخل السافر لسفيرة ترامب المتغطرس، في الشأن الداخلي، دفع بالقاضي محمد مازح إلى إصدار قراره القضائي بفرض القيود على حركتها، تنفيذاً لاتفاقية الحصانات الدبلوماسية والقنصلية لعام 1962، ومنعها من ممارسة التدخل في الشأن اللبنانيّ، باعتبار أنّ ذلك هو عدوان على السيادة اللبنانيّة، وأنها تمارس التحريض على لبنان، وإحداث الفتنة بين صفوف القوى اللبنانية، ورفعت راية الحصار بوجه اللبنانيين، وهدّدت الجميع إذا ما لم يلتزموا بأمرها، وطالبت الحكومة اللبنانية بذلك!

وكان من شأن ذلك، توجيه انتقادات إعلامية ومن القوى المتأمركة المحسوبة على لبنان، لهذا القاضي الوطني، أن تمّ الدفع به للاستقالة والغريب تمّ قبولها فوراً!

الآن الموقف يزداد صعوبة في الداخل اللبناني، ما لم يتمّ الحسم في الملفات الحساسة، وفي المقدمة التخلي عن الحوار مع الصندوق والبنك، وإعطاء ظهر الحكومة إلى الأميركيين، واعتبار السفيرة الأميركية شخصاً غير مرغوب فيه وطردها أياً كانت النتيجة. ثم التوجه فوراً نحو الشرق وفقاً للترتيبات التالية:

1 ـ فتح الحدود مع سورية والعراق، وتبادل السلع والمنتجات الغذائية والبترولية، بالليرة اللبنانية والسورية والدينار العراقي.

2 ـ الاتجاه شرقاً نحو إيران، لتقديم الغاز والنفط فوراً بما ينقذ لبنان من الظلام والعتمة، والمواد الغذائية، مقابل الليرة اللبنانية، والعملة الإيرانية.

3 ـ الاتجاه شرقاً نحو الصين التي وافقت على تقديم ثلاثة مشروعات عاجلة وفوراً في مجال السكك الحديدية، والبيئة والسياحة وغيرها. وقد التقى رئيس الحكومة اللبنانية بالسفير الصيني وبعدد من ممثلي الشركات الصينية العملاقة وتمّت الموافقة على ذلك.

وختاماً، فإنه من دون الحسم في الملفات الحساسة والاتجاه شرقاً، أخشى ألا نجد لبنان – واحة الحرية في الوطن العربي، وبالله التوفيق. 

*الأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، 

وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى