هلسنكي تشهد على تاريخين متعاكسان…
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة
في نفس العاصمة وفي ذات القصر التاريخي، يعقد اليوم ترامب وبوتين قمة على درجة من الاهمية بحيث ستصير زمنا يفصل بين تاريخين، كمثل هذه القمة عقدت بين بوش الاب، وغورباتشوف، وكانت بمثابة منصّة إطلاق انهيار الاتحاد السوفييتي وتشظّيه ووقوع روسيا في مستنقع الانهيار والتفكّك ومحاولات تحويلها الى قزم يخدم في المطبخ الامريكي – الاسرائيلي…
الفارق بين القمتين أن الاولى شهدت على معالم وأدارت مفاتيح انهيار وتداعي الجبار والقطب الكبير الموازي للغرب مجتمعا خلف امريكا، بينما الجاري اليوم سيكون معكوسا تماما…
فبوتين حكيم رياضي لاعب ماهر للشطرنج واستراتيجي عارف ما يريد ويراكم انتصاراته وتحول روسيا من منصة سورية العاصفة الى الدولة المقررة عالميا والمتّهمة بأنها أنتجت ترامب في امريكا وتنتج الرؤساء والنخب من المكسيك الى بلديات اوروبا وفاعلا هاما في تقرير اتجاهات مستقبل الاتحاد الاوروبي والنظم العالمية…
كسب بوتين كل الجولات التي وقعت بين روسيا وامريكا منذ عام 2000 حتى اللحظة، بينما كانت امريكا تخسر بالنقاط، ودنت ساعة خسارتها المدوية المؤسِّسة لتراجعها بمسارٍ تسارعيّ انحداريّ، فالبناء يستغرق الكثير من الزمن بينما التراجع والانسحار يقع بسرعة البرق…..
في مقابل بوتين، رئيس هوائيّ، مشغول بذاته، وبتغريداته، تتركز همومه في تأمين ولايته والتجديد لولاية ثانية، وقد أعلن للتوّ الحرب على العالم واعتبر روسيا والصين والاتحاد الاوروبي اعداءه، واعلن حربا اقتصادية عالمية قاتلة، وخاسرة حكما بحسب كل الخبراء، وعامل ويعامل من يفترضون انفسهم حلفاء، كماسحي احذية، ومجرد جباة اموال وغرامات منهم ومن شعوبهم لتحقيق رغباته…
ترامب ربما يكسب في امريكا في حربه مع مستشاريه وقد اتهمهم بالاغبياء، واتّهم امريكا بمحاربة الساحرات في عدائها لروسيا، وادار أذنه الطرشاء لكل من يحاول ترشيده، وليس له من همّ إلا امريكا اولا، وقرر وهو عازم على تفكيك قواعدها وسحب جيوشها من العالم، واستعداء الجميع بحروبه الكلامية والاقتصادية والابتزازية والسخرية من الرؤساء..
بوتين يأتي الى القمة ودولته شابّة تتقدم بثبات ورسوخ وقد أنجزت فتوحات علمية في علوم الفضاء والسلاح وخلافه من علوم المستقبل، وشعبه متّحدٌ حوله، وشعوب العالم وزعماؤها ينظرون إليه بإعجاب شديد، ويخطبون ودّه، بينما ترامب يشهر سيفه كالأعمى “انا أعمى ما بشوف انا ضرّاب السيوف”…
هلسنكي كانت بداية تاريخٍ عالميّ اتّسم بالهيمنة الامريكية وبعالمٍ متعجرفٍ أحاديّ القطب، واليوم تشهد على ولادة عالمٍ آخر، وبحسب إجماع الباحثين الجيوبوليتيكيين والانثروبيلوجيين من ابن خلدون الى توينبي، وبول كينيدي، وخلاصات أبحاثهم العظيمة الأهمية في دراسة تاريخ الشعوب وصعود وانهيار الامبراطوريات، لو كانوا بيننا لفركوا أيديهم ابتهاجا، فأمريكا قد توافرت لها كل شروط التراجع والافول، ورصاصة الرحمة ستنطلق من هلسنكي اليوم…