إنهاء “داعش” مشروط بإخراج اميركا من سوريا…
د. عصام نعمان
يجزم رئيس ادارة العمليات في هيئة اركان القوات المسلحة الروسية الجنرال سيرغي رودسكوي بأنه تمّ إنهاء وجود “الدولة الإسلامية” (داعش) “وجبهة النصرة” في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة جنوب سوريا ، وان الشرطة العسكرية الروسية تسهّل عودة دوريات قوات الامم المتحدة الى المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان.
هل انتهى فعلاً وجود “داعش” و”النصرة” في سوريا ؟
الواقع يقول العكس. ها هو الجيش السوري يباشر عملية عسكرية واسعة لإستئصال “داعش” من بادية السويداء المتصلة بمخيم الركبان على الحدود مع الاردن وبمحيط منطقة التنف على حدود سوريا الشرقية مع العراق حيث لاميركا قاعدة وقوات ناشطة. فمن جوار قاعدة التنف هذه انطلق ارهابيو “داعش” قبل اسبوعين للإغارة على السويداء وقرى ريفها الشرقي ولإرتكاب اشنع المجازر فيها .
جيوب “داعش” ما زالت متخفيّة في انحاء متعددة من بادية الشام ، ولاسيما بالقرب من مناطق التنف وتدمر ودير الزور، ناهيك عن جيب فاعل في الجنوب الشرقي لمحافظة إدلب . هذه الجيوب هي ادوات اميركا لتنفيذ سياستها العدوانية الممالئة للكيان الصهيوني ضد سوريا. إنها ادوات ضغط على سوريا وروسيا معاً من اجل فرض مطلبيّ تل ابيب الرئيسيين : إخراج قوات حزب الله من جنوب سوريا ، وإخراج ايران من كل مناطقها الاخرى.
كيف السبيل لإنهاء وجود “داعش” في سوريا ؟
الجواب : لا سبيل الى ذلك قبل إنهاء الوجود العسكري الاميركي في سوريا، ولاسيما في منطقتيّ التنف والرقة. فأميركا هي التي تمدّ جيوب “داعش” بالسلاح والعتاد وتوفّر لها المعلومات الإستخبارية عن مواقع تموضع الجيش السوري وحركته بغية مباغتته بعمليات صاعقة او بغية الإستفراد بالسكان المدنيين حيث لا تواجد وازناً له.
إخراج اميركا من سوريا بات شرطاً لازماً لإنهاء “داعش” (وتالياً “النصرة”) وسائر مجموعات الإرهابيين المرتزقة . هذا لا يعني تجميد مقاتلة “داعش” لحين الفراغ من إخراج اميركا. بالعكس ، مقاتلة “داعش” تبقى قائمة وواجبة ومتزامنة مع الجهود السياسية المبذولة لإخراج اميركا. ولا غلوّ في القول إن تزخيم مقاتلة “داعش” وإنهاكه يُسهمان في تعجيل إخراج اميركا من الساحة السورية .
لا مصلحة في مواجهة اميركا بالسلاح. هي اقوى من خصومها في سوريا وبإمكانها ان تلحق بهم اذى واضراراً شديدة. الأفضل مواجهتها بالسياسة . في هذا المجال ، يمكن الإستفادة كثيراً من اخطائها وخطاياها ولاسيما اثناء ولاية دونالد ترامب ، الرئيس الغريب الأطوار والكثير التقلّبات. كيف ؟
ادارة ترامب تكاد تكون اليوم في خصام مع الجميع :
– خصام متفاقم مع “حليفتها” تركيا جرّاء قيامها بفرض عقوبات على وزيرين في حكومة رئيسها رجب طيب اردوغان على خلفية اعتقال قس اميركي . انقرة ردّت بأنها ستتخذ “تدابير مماثلة دونما إبطاء”.
– عداوة متفاقمة مع ايران جرّاء خروج ترامب غير القانوني من الإتفاق النووي واعتزامه فرض عقوبات اضافية على الجمهورية الإسلامية اعتباراً من 6 أب/اغسطس الجاري . كل ذلك لحملها على القبول بمفاوضات جديدة لتعديل الاتفاق النووي والرضوخ لطلب واشنطن وتل ابيب وقف انتاج الصواريخ الباليستية بعيدة المدى . طهران رفضت ولن تتراجع ، ولا تبدو واشنطن جاهزة وقادرة على شنّ مغامرة عسكرية ضدها.
– منافسة حادّة مع روسيا على الحضور والمصالح والنفوذ في اوروبا الشرقية وسوريا وغرب آسيا.
– عداوة مع سوريا كرمى للكيان الصهيوني جرى توظيفها سياسياً وعسكرياً في مخططات لتفكيكها الى كيانات مذهبية وقبلية واثنية ، لكن دونما جدوى.
– حرب تجارية ضد الصين وغيرها من الدول على نحوٍ اثار ضدها سخطاً عالمياً.
عندما تكابد الولايات المتحدة هذه الحال من العداوات والخصومات والمنافسات ، يسهل الضغط السياسي عليها مباشرةً والضغط الأمني مداورةً. الضغط السياسي يكون في المحافل الدولية (الامم المتحدة ووكالاتها) ومن خلال التحالفات الثنائية والاقليمية ، وبإتخاذ مبادرات سياسية ايجابية ومحرجة في دول وساحات صراعٍ وازمات حساسة.
الضغط الامني يكون بدعم قوى المقاومة الشعبية بالسلاح والعتاد والدول الحليفة بأسلحة متطورة من اجل القيام بعمليات أمنية او عسكرية مؤثرة من شأنها الإسهام في تغيير موازين القوى وارباك الخصوم ودفعهم الى تقديم تنازلات.
لتأمين فعالية الضغط السياسي والامني على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يقتضي قيام تعاون محسوس بين خصومهما في غرب آسيا –روسيا وايران وتركيا وسوريا – على مستويات عدة لدفعها الى التراجع. الظرف موآتٍ في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور لقيام اشكال متعددة من التعاون المطلوب ضد اميركا ، يبدأ بالتنسيق ثم بالتعاضد وينتهي الى التحالف والمشاركة في المجابهة او المواجهة.
لا شك في ان اشكالاً علنية او ضمنية من التنسيق والتعاون تقوم حالياً بين روسيا وايران وتركيا وسوريا في وجه اميركا، لكن مستويات اعلى وأفعل مطلوبة في هذا المجال لضمان مردودِ وازن . ولعل ما يشجع على توقّع تقدمٍ بين تلك الدول على هذا الصعيد وجود مصالح مشتركة بينها ليس اقلها ان جميعها تحظى بموارد هائلة من النفط والغاز وان جغرافيتها المتصلة والمتكاملة هي السبيل الاقصر والأضمن لأنابيب نقل الغاز العاملة والاخرى المتوقع مدّها بينها وبين اوروبا عبر تركيا.
هذه المتغيرات الإيجابية تبدأ بالتحقق مع إخراج اميركا من سوريا اولاً…