ملحم ريا
لم يهتم الإيرانيون كثيراً بحزمة العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على طهران لا شعبياً ولا حتى سياسياً، فالجميع مشغول بالحملة التي تقوم بها السلطات ضدّ الفساد والاحتكار وبالتغييرات الحكومية التي بدأها الرئيس حسن روحاني بإقالة رئيس البنك المركزي.
لم يهتم الإيرانيون كثيراً بحزمة العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على طهران لا شعبياً ولا حتى سياسياً
لم يهتم الإيرانيون كثيراً بحزمة العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على طهران لا شعبياً ولا حتى سياسياً
في صفحتها الأولى عنونت صحيفة “جوان” الإيرانية: ماء الأسواق البارد يسكب على نار العقوبات.. بينما تحدثت صحف إيرانية أخرى عن تراجع الأسعار وانهيار الدولار أمام العملة المحلية، كلها عناوين تحاكي جانباً من الواقع الذي تمثل بتعافي العملة المحلية جزئياً بعد سلسلة إجراءات اتخذتها الحكومة منها الحزمة العملية التي بدأ بتطبيقها البنك المركزي في السابع من آب/أغسطس بالتزامن مع فرض الولايات المتحدة عقوباتها على إيران.
لكنها تحاكي أيضاً آمال الملايين من الإيرانيين الذين يتطلعون إلى اقتصاد أكثر تماسكاً باستطاعته تخطي المرحلة الحساسة الراهنة ومواجهة الحرب الاقتصادية التي تشنّها الإدارة الأميركية على طهران.
لم يهتم الإيرانيون كثيراً بحزمة العقوبات الأميركية لا شعبياً ولا حتى سياسياً، فالجميع مشغول بالحملة التي تقوم بها السلطات ضدّ الفساد والاحتكار وبالتغييرات الحكومية التي بدأها الرئيس حسن روحاني بإقالة رئيس البنك المركزي، وسبب عدم الاهتمام هذا هي القناعة التي ترسخت لدى الشارع في الأشهر الأخيرة أن النسبة المئوية الأكبر من الأزمة الاقتصادية أسبابها داخلية.
لكن في الوقت نفسه الذي تكف السلطات الإيرانية فيه يد المفسدين عن الاقتصاد، فهي تحصن نفسها لمواجهة تداعيات العقوبات الأميركية من خلال سد الثغرات التي قد تنفذ منها العقوبات لتوجيه ضربات قوية للاقتصاد الإيراني، لذا يمكن اعتبارها خطوة من خطوات مواجهة العقوبات التي بدأتها غرفة العمليات التي تشكلت لمواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية والتي تشمل خطوات عديدة منها:
– تعزيز قطاع الصناعة لتوفير الاحتياجات المحلية.
– تقديم تسهيلات للشركات المحلية والخارجية الراغبة في الاستثمار في إيران.
– إبقاء الأبواب مفتوحة مع أوروبا حتى لو حصلت إيران على الحد الأدنى من مطالبها، وذلك رغبة منها باستمرار الشرخ الأوروبي – الأميركي الذي وقع بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، ولمنع عودة الملف النووي إلى أروقة مجلس الأمن الدولي.
– التوجه نحو روسيا ودول شرق آسيا كشركاء رئيسيين موثوقين في التجارة مع إيران.
– العمل على توطيد وتعزيز العلاقة أكثر مع دول الجوار والسعي إلى ترميم العلاقة مع السعودية والإمارات والبحرين، وقد أعطى الرئيس الإيراني ووزير خارجيته أكثر من إشارة واضحة في هذا الاتجاه.
قد تشكل هذه الخطوات معبراً نحو ضفة أكثر أمناً للجانب الإيراني كما دفع بعضها إلى صمود طهران أمام العقوبات الأميركية والدولية سابقاً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سترضى إدارة ترامب بفشلها رغم الضغوط القاسية التي تفرضها على إيران؟ هنا يرى بعض المتابعين للتطورات أن الأمور قد تتجه باتجاهين الأول تراجع الإدارة الأميركية والعودة إلى الاتفاق النووي شريطة أن يفاوض المجتمع الدولي إيران على ملفات أخرى بشكل موازٍ، وقد يفتح هذا التراجع الأميركي نافذة نحو مفاوضات إيرانية أميركية، أما الثاني فيتمثل بمحاولة فرض حصار على صادرات النفط الإيراني، الأمر الذي سيؤدي إلى اندلاع حرب إيرانية – أميركية ستطال المنطقة برمتها، وهذا الخيار خيالي لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، برأي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وهناك من يعتقد أن إدارة ترامب تدرك هذا الواقع جيداً، لذلك رفعت السقف عالياً للضغط على طهران وإجبارها على مفاوضات استسلامية كما أسماها روحاني، وبعدها طلب التفاوض مباشرة دون شروط مسبقة علّ ىسيناريو كوريا الشمالية ينجح مع إيران، إلا أنه اصطدم برفض قاطع من الإيرانيين الذين اعتبروا المحاولة الأميركية دعائية لتجميل صورة أميركا بعد المأزق الذي وضعت نفسها فيه بخروجها من الاتفاق النووي.
لا شك أن نجاح إيران بمواجهة العقوبات الأميركية الحالية والمقبلة سيكون مرهوناً بنجاحها في مواجهة الفساد وفي تعزيز الإدارة الاقتصادية الداخلية، وفي توحيد الصفوف شعبياً وسياسياً، وفي التعاون الرسمي والشعبي لمواجهة هذه المرحلة ومعرفة هذا الأمر تبقى رهناً بالأسابيع والأشهر المقبلة.