نحو مقاربة مغايرة: مِن تحجيم دور إيران في سورية الى إنهاء دور «إسرائيل»؟…
د. عصام نعمان
الواقعات الجيوسياسية في سورية هي على النحو الآتي:
«إسرائيل» تحتلّ الجولان السوري منذ العام 1967، والولايات المتحدة تحتل مناطق سورية واسعة في الجنوب الشرقي التنف وفي الشمال الشرقي الرقة والحسكة منذ العام 2016.
«إسرائيل» ضمّت الجولان إليها وترفض تالياً الانسحاب منه بل تطالب الولايات المتحدة بالاعتراف بشرعية واقعة الضمّ.
الولايات المتحدة ترفض الانسحاب من مناطق احتلالها في سورية، مبرّرةً بقاءها بأنه لضمان هزيمة «داعش» في بلاد الشام وبلاد الرافدين.
«إسرائيل» متخوّفة من وجود إيران في سورية وتعتبر استمراره تهديداً لأمنها القومي، وتطالب تالياً بسحبه مع تشكيلات حزب الله المقاوِمة للإرهاب من جميع أنحاء البلاد.
الولايات المتحدة اختارت، بعد انسحابها من الاتفاق النووي، ان تضغط على إيران وان تستنزفها في الساحة السورية بواسطة «إسرائيل». سورية وقوى المقاومة ردّت على أعدائها الناشطين ضدها بتحرير غوطة دمشق الشرقية ثمّ مناطق جنوبها الغربي بمحاذاة الجولان المحتل، وأخذت تُعدّ العدّة لتحرير محافظة ادلب حيث السيطرة لجبهة «النصرة» والفصائل الموالية لتركيا.
تحسّبت «إسرائيل» لمخاطر نجاح الجيش السوري في إدلب وتداعيات استعادته وحدة سورية وسيادتها على كامل ترابها الوطني وانعكاساته على موازين القوى الإقليمية، فحرّضت الولايات المتحدة على مضاعفة ضغوطها على إيران وحلفائها. وكعادتها، استجابت ادارة ترامب ومعها حكومتا فرنسا وبريطانيا بتهديد سورية علناً بضربة ثأرية إن هي لجأت الى استعمال السلاح الكيميائي ضد أعدائها في إدلب.
سورية بدعمٍ من روسيا وإيران والمقاومة تجاهلت هذا التهديد وتابعت استعداداتها لتحرير ادلب الامر الذي حمل ترامب على إيفاد مستشاره للأمن القومي جون بولتن الى «إسرائيل» لمناقشة طرائق المواجهة، كما الى جنيف للتباحث مع سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف في مسألة الضغط لسحب الوجود الإيراني من سورية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن روسيا.
باتروشيف صارح بولتن بعدم قدرة بلاده على حمل إيران على الانسحاب من سورية. فهي هناك بطلب من سورية، ولا يمكن إخراجها إلاّ بموافقة الدولة التي أذنت لها بالدخول.
أوساط إسرائيلية وأميركية أشاعت بأن روسيا عرضت على أميركا تحجيم الوجود الإيراني في سورية بحمل طهران على التراجع بقواتها مسافة 85 كيلومتراً عن «إسرائيل» أي عن حدود فلسطين المحتلة وأن تل أبيب رفضت العرض.
ناطقة باسم الخارجية الروسية كذّبت مداورةً المزاعم الإسرائيلية والأميركية عن العرض سالف الذكر بدعوتها الولايات المتحدة الى سحب قواتها من سورية لكون دخولها ووجودها لم ولا يحظيان بموافقة الحكومة السورية.
إنه حقاً لمشهد وحوار عجيب غريب: دولة، هي الولايات المتحدة، تحتل أراضيَ سورية وتُطالبُ دولةً أخرى، إيران، كانت استأذنت سورية بتوضيع بعض مستشاريها ومعدّاتها في مواقع محدّدة في أراضيها، بالانسحاب منها بدعوى أن وجودها يهدّد أمن دولة اخرى، «إسرائيل»، كانت احتلت، وما زالت، أرضاً سورية!
الأغرب والأعجب هو العرض الروسي في حال ثبوت صحته: أن تنسحب القوات الإيرانية عشرات الكيلومترات عن تخوم الجولان السوري الذي تحتله «إسرائيل» مقابل وعد أميركي برفع العقوبات عن روسيا!
أيّاً ما كان العرض والعارض، فإن الحاضر ينطق بحقيقةٍ نافرة: «إسرائيل» متمسكة باحتلالها الجولان وأميركا متمسكة باحتلالها مناطق سورية، وكلتاهما تهدد سورية بإطالة أمد الحرب فيها وعليها التي ما زالت دائرة في شرقها وغربها. فوق ذلك، تقوم أميركا بإعادة تسليح وتجهيز مقاتلي «داعش» في سورية والعراق، كما تُعدّ عناصر جبهة «النصرة» و»الخوذ البيضاء» في ادلب لتكرار مسرحية استعمال السلاح الكيميائي واتهام الجيش السوري بذلك تمهيداً للرد بضرب مواقع سورية حسّاسة.
أما آن الأوان للخروج من هذه الدوامة؟
أرى أن ثمة مقاربةً، وبالتالي قراراً، من شأنه ردّ كيد أميركا و»إسرائيل» الى نحرهما. ذلك ان «إسرائيل» هي التي تقف وراء كل هذا الصَلَف الأميركي ضد إيران وروسيا، وهي التي تطالب بإقصاء إيران وقوى المقاومة عن سورية، كما تحرّض أميركا على قصف مواقع ومؤسسات سورية بدعوى الاقتصاص منها لاستعمالها السلاح الكيميائي. اما وان الأمر كذلك، فلماذا لا تحزم القيادة الروسية أمرها فتقرر تنفيذ قرار قديم لها بتزويد سورية منظومة دفاع جوي من طراز S-300؟ بل لماذا لا تزوّدها دونما إبطاء منظومة S-400 كالتي سلّمتها لتركيا؟
لم تخشَ روسيا أميركا ولا حلف «الناتو» ولم تراعهما عندما قرّرت تزويد تركيا، العضو في «الناتو»، منظومة S-400 . فهل يُعقل أن تخشى روسيا «إسرائيل» او أميركا اذا قررت تزويد حليفتها سورية التي تحتضن قواعد جوية روسية في حميميم وأخرى بحرية في طرطوس، بمنظومة دفاع جوي كالتي في أيدي الأتراك؟
إن مجرد اعلان موسكو قرارها بالإفراج بلا إبطــاء عن منظومة S-400 لسورية كافٍ بحدِّ ذاته لحمل «إسرائيل» ومعها أميركا على التراجع عن سياسة العربدة في سماء سورية وعلى أرضها. ذلك ان تل ابيب تعلم علم اليقين أن وجود هذه المنظومة المتطورة عالية الكفاءة بين أيدي السوريين كافٍ لإلغاء دور سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء سورية ولبنان والعراق بل لتجذير وجود إيران في سورية وجعله بمأمن من أيّ تعدٍّ صهيوني، وبالتالي لتحجيم دور «إسرائيل» في المنطقة.
هذه الحقائق تعلمها روسيا، فلماذا تتردّد وتُحجم؟