ما يحدث في اليمن: جريمة كل العصور وانتصار اليمن سيحرر العالم
جهاد سعد
سمعنا عن إبادة السكان الأصليين في أميركا واستراليا والمستعمرات، الخبر بارد لا تسمع معه أصوات المتألمين ولا صراخ أنماط الحياة التي شطبت من قاموس الحيوات، ولا نوع الثقافات التي دفنت فوق تراكم الجثث والجرائم… نجح المجرمون في تعويد الجنس البشري على حروب الإبادة، ونجحت هوليوود في رعاية تبلد الأحاسيس ومنع الإنسان الطبيعي من التفاعل ضد الجرائم المروعة، فالقتل من أجل حفنة من الدولارات قدم على أنه خيار لا بد منه لانتقال الغرب الأميركي من البداوة إلى الحداثة.
الهندي الأميركي الذي كان يحمل ثقافة من أرقى الثقافات في عالم الإنسانية أزيلت خيمته بقنبلة “حديثة”، ثم صرف النظر عن أشلائه وأشلاء عائلته وتم الاهتمام بمميزات القنبلة التي أصبحت توصف اليوم “بالذكية” لاحظ أنسنة القنبلة من أجل إبادة الإنسان.
تلك القنابل التي رميت بالأطنان على رؤوس الكوريين فابادت مالا يقل عن 3مليون ضحية _ إنسان منهم، وعلى الفيتناميين الذين كانوا حقل اختبار قنابل النابالم الحارقة، وعلى العراقيين ضحايا اليورانيوم المنضب، وعلى الأفغان و الفلسطينيين واللبنانيين، أفلح الإعلام الأميركي _ العربي _ المتصهين في خلق الضجيج التافه الذي يمنعنا من سماع دويها الصارخ في ضمير الإنسانية .
وإمعانا في مسخ الحياة والإنسان والقوانين والقيم تم التعاون بين بداوة الحداثة وحداثة البداوة، لإنتاج “قنبلة غبية” برأس سلفي _ تكفيري وحزام ناسف تكفلت بتدمير ما لم تصل اليه القنابل الذكية من نسيج اجتماعي وحياة طبيعية، فتأمل بهذا الإختراع “العبقري” الذي أحدث انقلاباً اسطوريا في سنن التكوين : “القنبلة الذكية” عبارة عن جسم معدني مخروطي مشحون بالمتفجرات ومزود ببرمجيات تمكن القنبلة من ملاحقة هدفها وإصابته بدقة، أما “القنبلة الغبية ” فهي كائن بشري مغسول من التفكير السليم والأحاسيس الإنسانية بفكر سلفي_ يكفر حتى التفكير، ويستر عصبيته البدوية الجاهلية بشعارات دينية فيما هو في الحقيقة وثنية سعودية تعبد الها يسمى “ولي الأمر” وهذا الولي الأمر إما انسان خرف مصاب بالزهايمر او ولد مراهق مصاب بجنون العظمة وفي كل الأحوال له “ولي أمر” فوقه هو من أسوأ ما أنتجته العنصرية الأميركية ويسمى اليوم فضيحة أميركا دونالد ترامب.
مركب عجيب من الأسلحة الذكية والقيادات الغبية تحركه مصالح شركات تقيس مقدار ارتفاع حساباتها المصرفية بما تنتجه من حروب إبادة جماعية على مستوى العالم وما تستخرجه من أبار نفط أو غاز من تحت الجثث الهامدة التي تتحول بدورها الى مشروع نفط عضوي للاجيال القادمة من المترفين.
واليوم وبعد أن تبلدت الأحاسيس وسقطت كل المحرمات تحصل عملية “إبادة جماعية” من دون أي مبالغة للشعب اليمني، الذي يشكل مع المتضامنين معه في كل العالم خط الدفاع الأخير،عن الحضارات العريقة التي تعلي من شأن الإنسان وكرامته، في وجه حداثة البداوة التي يمثلها النظام السعودي وبداوة الحداثة التي يمثلها دونالد ترامب .
من جهة النظام السعودي توجد حوافز غريبة تتجه به إلى حرب إبادة ضد اليمنيين من أهمها فارق السكان الذي يجعل أي نهوض يمني قادرا على التفوق على دول مجلس التعاون مجتمعة وليس السعودية وحدها. مما يجعل تفريغ اليمن من “موارده البشرية” هدفا بحد ذاته. فقد بينت دراسة حديثة هذا العام 2018 أن عدد المواطنين السعوديين هو 20,768,627 يخدمهم 12,645,033 وافد بحسب التعابير المستخدمة هناك.
ويقوم الاقتصاد السعودي على هؤلاء المساكين من الوافدين الذين يتمتع الكفيل السعودي بثمرة جهودهم مرتين: مرة بتسخيرهم لإنجاز الأعمال التي لا يحسنها، ومرة بضريبة شخصية يأخذها من إيراداتهم تحت تهديد سحب الكفالة. وقد فشلت مرات عديدة عمليات سعودة الوظائف التي تحتاج إلى مهارات خاصة بسبب أمراض الترف التي اجتاحت المجتمع السعودي.
وليس من قبيل الصدفة أيضا أن الفاعلين في المواطنين في مجالات الإعمار والمال والأعمال معظمهم من أصل يمني سواء من الحضارمة أو غيرهم، وشركة بن لادن من أبرز الأسماء في هذا المجال وقد تعرضت بدورها للتنكيل والتحجيم من قبل محمد بن سلمان لأسباب تبين أنها أميركية وليست سعودية فلا توجد شركة سعودية بحتة تنافس بن لادن إنما الموجود شركات أميركية _ بريطانية تريد أن تجتاح وتنهب كل
“سنت “ينتجه الإقتصاد السعودي.
كان النظام السعودي ولا يزال يريد من اليمن كل اليمن أن تكون دولة “خادمة” وليس دولة حقيقية ذات سيادة، فحرص على أن يحرس تخلف اليمن اقتصاديا وسياسيا ويلعب على تناقضات القبائل ويشتري الذمم حيثما دعت الحاجة.
أما الآن وقد ارتكب اليمن جريمة التفكير بالإستقلال وبرهن عن وجود كوادر يمنية عالية التعليم والتدريب في مختلف المجالات، فإن الخيار هو التخلص من اكبر عدد ممكن من اليمنيين للتمكن من السيطرة على من يتبقى منهم. وهنا تلتقي السياسة السعودية مع الأميركية _ الصهيونية فإبادة البشر اختصاص أميركي وحبك الأساطير التي تبرر الجرائم علم غربي قديم ، واللعب بالقوانين الدولية حرفة المختصين في الإدارات الغربية المتعاقبة، أما الإعلام فلطالما كان أسيرا لسلطة المال أو مال السلطة.
وإذا أردنا أن نستخدم الفجاجة الأميركية في التعبير عما يحدث: يأتي العدوان على اليمن في إطار جهود الإدارة الأميركية للتخلص من “الفائض البشري” الذي يعيق السيطرة على منابع الطاقة وممراتها، قالها ترامب بكل وقاحة عندما تحدث عن العراق: قال لا يوجد شعب في العراق الموجود هو النفط وسنضع يدنا على النفط ونأخذه لصالحنا. فوفر علينا التحليل عن أسباب استخدام الجمهوري المحافظ الأسبق جورج بوش الإبن للقوة المفرطة في حربي الخليج الثانية والثالثة… فقد رمي على العراق بحسب جيف سيمونز وآخرون 88 ألف طن من القنابل المشحونة باليورانيوم المنضب أو العنقودية بما يعادل قنبلة نووية كل أسبوع هذا في حرب الخليج الثانية وحدها. ولا يزال العراق يعاني حتى اليوم من التدمير الممنهج لبنيته التحتية وكل ما يساعده على النهوض والتحول إلى دولة فاعلة ولولا الحشد الشعبي العراقي والنجدة التي حصل عليها العراق من محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران بعد الغزوة السعودية _ الأميركية الأخيرة التي إسمها “داعش”، لكان العراق الموحد الآن من التاريخ.
الذهنية نفسها تعمل في اليمن بأدوات ما يسمى التحالف السعودي، والكوليرا والحصار الإقتصادي والغذائي، واستهداف المشافي والمدارس والأعراس والاسواق ومجالس العزاء وباصات المدارس إبادة مقصودة ومتعمدة عن سابق تصور وتصميم، والأطفال ليسوا من الاضرار الجانبية للحرب بل هم المستهدفون فعلا، والرحم اليمنية هي المستهدفة في قتل النساء، والروابط الإجتماعية هي المستهدفة في قصف مجالس العزاء، ونخبة الأطباء اليمنيين والخبراء اليمنيين التقنيين هم المستهدفون في قصف المشافي، وبشهادة موظفة في منظمة دولية زارت اليمن مؤخرا قالت: ذهلت من عدد الكوادر الكفوؤة في المستشفيات اليمنية من الأطباء النساء والرجال والفنيين إنهم يقومون بدورهم بمهارة في أصعب الظروف في ظل ندرة وصعوبة توفر كوادر أجنبية.
وقد شهدنا بالأمس احتفال داعش والنصرة وكل “القنابل الغبية” بتفجير المستشفيات في العراق وسوريا واستهداف مصافي النفط ومنابعها في بيجي ودير الزور ومنذ أيام أخبرني أحد المراقبين من الموصل كيف دخلت داعش الى المستشفى الفرنسي في الموصل وكان بالإمكان التخلص من الدواعش بأساليب عسكرية متوفرة، ولكنها كانت حجة للطيران الأميركي لقصف المستشفى بطريقة تدميرية عطلته حتى اللحظة… وفي الوقت نفسه كان الأميركيون يمنعون تقدم القوات العراقية والحشد الشعبي إلى نقاط محددة لإطالة أمد المعركة وسحب قيادات داعش المرتبطة بهم إلى مواقع سبق أن تقرر تدميرها.
فكر الآن بما تتعرض له فنزويللا التي توضع على شفا حرب أهلية وانتقل إلى أفغانستان ثم تذكر ميانمار والحرب الإقتصادية ضد الصين وروسيا وإيران … فهل من المبالغة أن نقول أن كل من لا يخضع للإرادة الأميركية يتعرض إلى شكل من أشكال الإبادة أو كسر الإرادة كل بحسب موقعه وحجمه.
معركة اليمن أصبحت معركة كل إنسان حر في هذا العالم، ومن يدافع عن اليمن اليوم يدافع عن نفسه، وعن بقية من حضارة في مواجهة همجية لا تعترف لا بالقانون الدولي ولا بحقوق الإنسان، وانتصار اليمن سيكون بداية تغيير للنظام العالمي باسره، واليمني هو من سيعيد الجزيرة العربية من بربرية الجاهلية الوهابية السعودية إلى حضارة الإسلام، وعندما تتحرر الجزيرة العربية من آل سعود والنفوذ الأميركي عليها ستسقط سلطة الدولار والبترودولار. بل لعلها الطريقة الاسرع والأنجع لفك حصار الدولار على الأسواق العالمية فكل خبراء النقد والإقتصاد يعلمون أن جزءا كبيرا من القيمة السوقية للدولار ناتج عن إصرار السعودية وغيرها على بيع النفط بالدولار، وإذا كان الإنتاج السعودي اليومي هو عشرة مليون برميل وسعر البرميل ما بين ستين أو سبعين دولار فإن الدول المستوردة بحاجة إلى ما بين 600 إلى 700 مليون دولار يوميا لشراء النفط السعودي وحده… تصور الأثر الذي يمكن أن يصيب قيمة الدولار لو أن النفط في الخليج تحرر من هذه السلطة واتجه إلى سلة معقولة من العملات.
انتصار اليمن من هذا المنظار أيضا هو مفتاح تحرر العالم بأجمعه من سلطة الدولار، فهللا أدرك المحاصرون بعنجهية الدولار اليوم أن معركة اليمن هي في صميم معاركهم.
من تراب أقدام هؤلاء الأعزة الفقراء في يمن الحضارة الإنسانية سيشرق نور العالم وإن غدا لناظره قريب.