لبنان، لن يكون حمولة على متن باخرة
أمين أبوراشد
عندما أقفل منذ سنوات معبر نصيب بين سوريا والأردن، واجه موسم التفاح في لبنان أزمة تصريفٍ غير مسبوقة، فاقترح أحد قادة 14 آذار يومذاك تصدير التفاح اللبناني عبر البواخر، وعندما تبيَّنت الكلفة الباهظة لنقل التفاح وسائر المنتجات الزراعية عبر البحر، نتيجة فقدانها القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، بدأت مُنذ ذلك الوقت مشكلة تكدُّس المواسم في البرادات وانتهت بعضها مرمية على الطرقات وارتفعت صرخات المزارعين بوجوب التعويض عليهم مِن قِبَل الدولة.
واليوم، وبعد الإنتصارات التي حققها الجيش السوري في الجنوب، وبدء ترتيبات فتح معبر نصيب، من حق اللبنانيين التساؤل، سوريا هي حدودنا الشرقية والشمالية، والعدو الإسرائيلي على حدودنا الجنوبية، والأزرق المتوسط الذي يُمكن أن ترسو فيه باخرة توليد طاقة، أو باخرة شحن نفايات – كما اجتهد البعض – لا يُصلِح أن يكون المنفذ الإقتصادي الوحيد، لمجرَّد أن بعض المهزومين اللبنانيين في سوريا، يتمسَّكون برأيهم لجهة عدم تطبيع العلاقات التي هي قائمة أصلاً عبر السفارتين في البلدين، ووجود اتفاقات تبادل تجاري واقتصاد مترابط، وأمن يحتاج الى أعلى مستويات التنسيق لتأمين الإستقرار في لبنان قبل سوريا؟
نفهم أن العلاقات مع سوريا هي جزئية من الإعاقات التي أدَّت الى تأخير تشكيل الحكومة، ونفهم أن البعض يُراهن على أحكام محكمة دولية “لعقت” الملايين من أموال الشعب اللبناني وهي بالنسبة للغالبية الساحقة مسرحية هزلية قد تنطق بأحكامها في أيلول، وأحكامها لا تعنينا، ونفهم أن الفريق نفسه الذي ينتظر نهاية فصولها، يُراهن على مسرحية أخرى إسمها “الكيماوي المُركَّب” بمؤامرة أميركية إقليمية، وأن ضربة غربية متوقَّعة لسوريا قد تقلِب المُعادلات ولكن، فات البعض ممَّن تُحرِّكهم السعودية للعب أدوار مشبوهة، أن المتغيرات الإقليمية استطاعت عرقلة بعض المسارات السياسية في لبنان، لكنها لم ولن تتمكن من رسم أي مسار فيه، وقد تكون “المعركة الرئاسية” التي دامت سنتين ونصف وتحقَّق النصر بإرادة داخلية لبنانية، درساً لمن آن الأوان لإنتهاء رهاناتهم على السراب.
وإذا كانت ولادة حكومة الرئيس تمام سلام قد استغرقت شهوراً طويلة، فهذا لا يعني أن التأخير بتشكيل الحُكومات سيعتمد هذا التأخير عُرفاً، لأن الظروف الآن لا تحتمل التأخير في التشكيل كائناً من كان المُعرقلون، ولأن الإلتزامات المالية الدولية للبنان والمُساعدات المُجمَّدة سواء كانت من “سيدر” أو سواه، هي نقطة في بحر المصائب التي لا يتوقَّعها من أرادوا البحر حدوداً وحيدة للبنان، والإنفجار أتٍ من الأوضاع الإقتصادية التي ستبدأ بالتفاقم مع اقتراب جني المواسم الزراعية، واقتراب موعد فتح المدارس والجامعات ودنو موسم الشتاء مع كل مستلزماته.
أخذنا أزمة تصريف موسمٍ زراعي كالتفاح كمثالٍ متواضع، لنُقارن بين معاناة الشعب اللبناني مع الفقر والبطالة والهجرة من الريف الى المدينة ومن المدينة الى بلدان الأرض الواسعة، وبين الترف الذي تعيشه شرائح من “الطبقة الحاكمة” في لبنان، ولنقول، أن المُهل سواء كانت من قبيل الإستمهال أو الإهمال في مواجهة الداهم من الإستحقاقات، ليست من مصلحة الفرقاء العالقة لديهم عُقدة التشكيل، ومهما بخَّرَهُم البُخاري السعودي أو بخَّروه، فإن الدخان الأبيض لن يتصاعد سوى لبنانياً، على أمل استفاقة البعض من خيبات أملهم وخاصة في سوريا، وتواضع البعض الآخر ممَّن انتفخت كتلتهم النيابية نتيجة القانون النسبي، لأن هناك خطوطاً لا يستطيع أحد تجاوزها خاصة في توزيع الوزارات – خاصة السيادية منها- وتحقيق السيادة منذ العام 2000 مروراً بالعام 2006 ووصولاً الى دحر العدو الأخطر الذي كان يزحف من الشرق والشمال عام 2017، هو إنجاز يجب الحفاظ عليه، ولبنان لن يُفرِّط بانجازات ترسيم حدوده بدم الشهادة ولا بالحفاظ على سيادته، عبر تسليم الإنجازات السيادية لفرقاء ليسوا مستعدِّين للإلتزام بمعايير السيادة، ومَن يريدون التنكُّر للواقع الجيو- سياسي وبالتالي وحدة المصير للبنان مع سوريا، فإن لبنان الذي قلب المعادلات الإقليمية يُدرك موقعه جيداً، وهو لن يكون مُعادياً للجارة الوحيدة ولا حمولة على متن باخرة…
المصدر: موقع المنار