لماذا معركة ادلب والإتفاق النووي؟؟ استوجبا وجود ايران في سوريا؟
د. عصام نعمان
كل الأنظار تتجه الآن الى إدلب . متى تبدأ المعركة الاكثر خطورة في حرب السنوات السبع السورية ؟ ما تداعياتها ، محلياً واقليمياً ؟ ما مطالب الأطراف الاقليمية والدولية المشاركة فيها مباشرةً او مداورةً ؟
تلتقي اطراف عدّة في مساعٍ حثيثة لتفادي معركة دموية مدمّرة لن تنتهي قبل قتل وجرح عشرات الآلاف ، وتهجير ما لا يقلّ عن المليون.
سوريا ما عاد في مقدورها استيعاب المزيد من المهجّرين فوق مئات الآف المشردين حاليّاً في مختلف مناطقها . لذا تراها حريصة على إجراء مصالحات محلية مع سكان بعض البلدات والقرى لتفادي مفاعيل الإشتباكات الضارية.
تركيا تتخوف من تدفق المزيد من اللاجئين الى ديارها حيث يتآوى نحو مليونين من أقرانهم السوريين الهاربين من اهوال الحرب.
اوروبا قلقة هي الاخرى من احتمال اتجاه الآف اللاجئين الى دولها المرهقة بالآفٍ منهم منذ سنوات.
اميركا تريد ان تتدارك انعكاسات نجاح الجيش السوري في استعادة ادلب على وجودها العسكري في شمال شرق سوريا حيث حلفاؤها الكرد المعادون لتركيا من جهة والمعارضون للحكومة السورية من جهة اخرى.
“اسرائيل” تخشى ان يؤدي انتصار الجيش السوري في ادلب الى تدعيم سلطة الحكومة المركزية في دمشق وترسيخ تحالفها مع ايران ووجودها العسكري في بعض مناطق البلاد.
روسيا تضع في حسبانها مخاوف سائر اطراف الحرب في سوريا وعليها ، لكن يهمها ، في الدرجة الاولى ، مستقبل وجودها العسكري في سوريا ودورها السياسي في المنطقة.
كل هذه المخاوف والهواجس والمصالح والمطالب مهمة لأصحابها . لكن أهمها هو الوجود الإيراني في سوريا الذي يتصل بثلاث قضايا رئيسة كان وزيرالخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان قد حدّدها بقوله : ” ايران لا يمكنها ان تتفادى مفاوضات في شأن ثلاثة ملفات كبرى تثير قلقنا هي مستقبل الإلتزامات النووية بعد سنة 2025 (تاريخ انتهاء مدة الإتفاق النووي) ومسألة الصواريخ الباليستية ، وحقيقة ان هناك نوعاً من الإنتشار الباليستي من جانب ايران ، والدور الذي تضطلع به في المنطقة”.
هذه القضايا الثلاث الكبرى لا تقلق دول اوروبا فحسب بل تقلق ايضاً، وربما اكثر ، كلاًّ من اميركا و”اسرائيل”. فالولايات المتحدة ، في ظل ادارة ترامب ، تعتقد ان في وسع ايران إمتلاك اسلحة نووية بقدراتها الذاتية حتى قبل انتهاء مفاعيل الإتفاق النووي سنة 2025 الامر الذي يهدد نفوذها ومصالحها في الشرق الاوسط وغرب آسيا. “اسرائيل” ترى هي الاخرى ان امتلاك ايران صواريخ باليستية للمدى البعيد يهدد امنها القومي، ولاسيما اذا ما قيّض لوجودها العسكري ان يبقى راسخاً في سوريا.
مكمن الخطورة في هذه القضايا الثلاث الكبرى ان لا اميركا ولا روسيا ولا دول اوروبا في مقدورها حمل ايران على سحب وجودها العسكري من سوريا ، ولا ايران يسمح امنها القومي بالتخلي عن خيارها الإستراتيجي في بناء صناعة صاروخية باليستية .
ذلك كله يطرح سؤالاً بالغ الخطورة : هل ينجرف اصحاب الرؤوس الحامية في ادارة ترامب مع ضغوط “اسرائيل” ونفوذها القوي في الكونغرس ، فيشيرون على الرئيس الاميركي المعروف بنزقه وتهوره بضرورة شن الحرب على ايران في عمقها كما في مواقع تواجدها في الخارج بغية تدميرها وإضعافها وجعلها عاجزة عن بناء صناعة نووية او صناعة صاروخية باليستية ؟
هذا خيار جنوني . لكن الأرجح ألاّ يقترن بقرارٍ اكثر جنوناً . مع ذلك لا بد لإيران وسوريا ، كما لروسيا ، من ان تضع في حسبانها امكانية ان يركب ترامب ومستشاروه المتهورون رؤوسهم فينزلقون الى حربٍ ستصبح بالتأكيد عالمية وكارثية.
ماذا تفعل ايران ؟
لا سبيل ، على ما يبدو ، الى ان تتراجع ايران عن قرارها الإستراتيجي بناء صناعة صاروخية باليستية لسبب جوهري هو ان الإتفاق النووي للعام 2015 منعها من بناء صناعة نووية حربية في حين انه ترك “اسرائيل” ، ومن ورائها اميركا ، حرّة وقادرة على انتاج واستعمال اسلحة نووية دونما قيود . والحال ان “اسرائيل” تعتبر ايران عدواً موصوفاً ولا تنفك تدعو الولايات المتحدة الى فرض عقوبات اقتصادية عليها وصولاً الى إضعافها وإسقاط نظامها السياسي ، كما لا يتوانى بعض قادتها عن دعوة ادارة ترامب الى شن الحرب عليها لتدميرها وإخراجها نهائياً من حلبة الصراع الاقليمي.
ازاء تحديات معقدّة وبالغة الخطورة كالتي تحتدم حاليّاً في منطقة غرب آسيا ، لا يسع ايران إلاّ ان تعوّض افتقارها الى سلاح نووي بتوفير قوة نارية هائلة لردع اعدائها ، قوة لا يمكن امتلاكها وبالتالي استعمالها إلاّ بحيازة صواريخ باليستية بعيدة المدى لنقلها الى اعماق اراضي اعدائها. صحيح انه من الممكن حيازة هذه الصواريخ واطلاقها من داخل ايران الى داخل “اسرائيل”، مثلاً ، لكن إمتلاك قواعد لإطلاقها في سوريا المجاورة للكيان الصهيوني يقصّر المدى المطلوب لدقة التصويب ، ويُنتج فرصاً اكثر لتحشيد عدد كثيف منها ما يؤمّن لإيران (كما لسوريا ) فاعلية ردعية اكبر واقوى.
الى ذلك ، تتيح قواعد الصواريخ الباليستية الإيرانية في سوريا حجة وازنة لدمشق لتقول لـِ “اسرائيل” وراعيتها اميركا إن لا سبيل الى إنهاء قواعد ايران الصاروخية الباليستية في سوريا قبل إنهاء الإحتلال الصهيوني للجولان السوري.
هكذا يتضح أن خروج اميركا من الإتفاق النووي مع بقاء “اسرائيل” مدججة بأسلحة نووية لا يحول دون خروج ايران من سوريا فحسب بل يُحتّم ايضاً بقاء قواعدها الصاروخية فيها لدواعٍ ردعية مشروعة …