تنزلق الدول العربية واحدة تلو الأخرى في أزمات اقتصادية خانقة، سوف ترغم حكوماتهم قريبا على اللجوء للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، طلبا للرأفة.
تطالعنا يوميا أنباء حول مشكلات اقتصادية لدى إحدى الدول العربية، وحول “نجاحات” مؤقتة تحققها هذه الدول في حل هذه المشكلات، من سقوط الاحتياطي الأجنبي لسلطنة عمان بنسبة 18% خلال عام واحد، إلى دعم الدول الخليجية للبحرين للحفاظ على ارتفاع نسبة الفائدة على الديون تحت السيطرة.
وقد شرحت في مقال سابق الكوارث الاقتصادية التي تنتظر الدول العربية، وفيما بدا من الجدول المنشور آنذاك، كانت الدول الأكثر عرضة لهذه الهزات الاقتصادية هي مصر والأردن ولبنان والبحرين وسلطنة عمان، ولم أدرج اليمن في هذه القائمة، لأنه يعاني فعليا من الفوضى.
وباختصار، فإن البنوك المركزية للغرب، وبينما كانت تحاول عبور أزمة عام 2008 الاقتصادية، أغرقت الاقتصاد بقروض تكاد تكون مجانية، منحتها البنوك للجميع، بفائدة تقترب من الصفر، وتسرّب جزء من هذه النقود إلى أجزاء كبيرة من العالم، من بينها الدول العربية التي اقترضت بدورها جزءا من هذه القروض.
لكن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تحوّل، خلال العام الماضي، إلى سياسة جديدة، سحب من خلالها 250 مليار دولار أمريكي من التداول، أي أن النقود المتداولة حول العالم قد أصبحت أقل بمقدار 250 مليار دولار، في الوقت الذي ترفع فيه الولايات المتحدة الفائدة على القروض الجديدة، ويتعين على الدول التي تعاني من ديون ضخمة، وهي دول كثيرة حول العالم، أن تحصل على دولارات فورية لسداد ديونها. وبينما تصبح كمية النقود المتداولة أقل، والطلب عليها أكثر إلحاحا، ولا يوجد طريق للحصول عليها سوى بالاقتراض من جديد، ولكن بنسب فائدة أعلى بكثير، فإن ذلك سوف يخلق ثقبا كبيرا في موازنات الدول التي تعاني من ديون كبيرة. وعلى سبيل المثال، فقد ألغت مصر عدة محاولات للاقتراض بسبب أن نسب الفائدة على تلك القروض غير مقبولة بالنسبة لها، كذلك واجه لبنان ارتفاعا مفاجئا في تكلفة التأمين على التخلف عن سداد ديونه، ويقع الآن على شفا أزمة نقد أجنبي.
علاوة على ذلك، فإن البنوك المركزية الأوروبية مضت في نفس طريق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ عام، وبدأت في تقليل ضخ الأموال في الاقتصاد، وتخطط أن تبدأ من العام 2019 في سحب تلك الأموال من التداول. بمعنى أن المشكلة لم تبدأ بعد، وستبدأ الأزمة الاقتصادية فعليا من العام المقبل، لتطال جميع الدول التي تعاني من ديون خارجية كبيرة، وعجز في ميزان المدفوعات التجارية الخارجية.
لقد دخل العالم مرحلة جديدة، حيث يتضاءل حجم الأموال في الاقتصاد العالمي تدريجيا، في ظل ارتفاع نسب الفائدة على القروض الجديدة. وعلى الرغم من أننا لا زلنا في بداية المنحدر، إلا أن اقتصادات بعض الدول العربية، قد بدأت فعليا في الغرق على نحو متسارع، بينما لن يزداد الأمر إلا سوءا.
وهنا نجد أنفسنا أمام الوضع التالي:
إن الولايات المتحدة تتجه نحو انهيار امبراطورية الدولار على المدى البعيد بلا أدنى شك، وسوف يعاني الدولار من التضخم بعد فترة من الزمن تطول أو تقصر. ولكن في هذه المرحلة تحديدا من انهيار العولمة، وحيث يتجه حجم الدولارات المتداولة نحو الانخفاض، وتزداد قسوة ظروف الحصول على قروض جديدة، وبينما يحتاج العالم بأسره إلى الدولارات، لحصول العالم على قروض هائلة بالدولار الأمريكي، وحان وقت سدادها للبنوك الأمريكية.
في ظل هذا كله، فإن حكومات الدول التي حصلت على تلك القروض الهائلة سوف تضطر في الأشهر القليلة المقبلة أن تخرج من البنوك الأمريكية، بعد طلبها مهلة سماح لسداد القروض، أو إعادة جدولتها، زحفا نحو الإدارة الأمريكية حيث ينتظرهم الرئيس ترامب، ليستجدون عطفه في الحصول على قروض جديدة، أو للتأثير على الاحتياطي الفيدرالي، كي يوقف ارتفاع نسب الفائدة على القروض. ساعتها لن تغفر الولايات المتحدة الأمريكية خيانة تلك الدول لها، وتوجّهها، منذ بضعة أعوام فحسب، نحو بكين للحصول على قروض ميسرة.
إن ترامب، كما هو معروف عنه، شخص يميل إلى البراغماتية على نحو جذري، ويرغب في أن يدفع الجميع لا فواتيرهم فحسب، وإنما فواتير الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، كذلك فإن ترامب صديق حميم لإسرائيل على نحو جذري أيضا، وأظن أن هناك محاور في العلاقات الأمريكية العربية يمكن أن تثير شهية الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الممكن مبادلتها بدعم مالي أو التخفيف من العبء الثقيل للقروض على دول عربية، وأعني هنا، وقبل أي شيء، تطبيع العلاقات مع إسرائيل والحرب الأمريكية على إيران بأيدي العرب.
أعتقد أن الكثير من الحكومات العربية سوف تواجه قريبا ضرورة التفكير في الخيار الصعب بين الانهيار الاقتصادي وخروج الشعوب إلى الشوارع من جانب، وبين الخطوات التي تروق لأمريكا، ولا تروق للشارع العربي من جانب آخر…
في تقييمي الشخصي، أرى أن فرص الحفاظ على الاستقرار السياسي للمنطقة، في ظل ذلك الوضع، ضئيلة على أقل تقدير.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف