تجزئة معركة ادلب لسحب ورقة اللاجئين من يد تركيا ؟
د. عصام نعمان
الصراع على أشده في غرب آسيا. الولايات المتحدة تشن هجوماً سياسياً مقروناً بعقوبات اقتصادية ومناوشات عسكرية على امتداد المنطقة من شواطيء البحر المتوسط غرباً الى شواطيء الخليج شرقاً. روسيا تتصدى للهجوم الاميركي بالسياسة كما بالمناورات العسكرية المحسوبة على مدى جغرافي واسع يمتد من شعاب الشرق الاوسط الى اصقاع الشرق الاقصى .الى الدولتين العظميين ، ثمة لاعبون اقليميون اقوياء يتبارون في ملاعب بلاد الشام وبلاد الرافدين ويحاول كلٌّ منهم التحكّم بكرة المصالح لصالحه.
العنوان العريض للصراع تجميعُ اوراق القوة لإستخدامها من قبل اطراف الصراع في المكان والزمان المناسبين . ابرز اوراق القوة قضيةُ اللاجئين السوريين. تركيا اردوغان تمسك بهذه الورقة وتهدد بها اوروبا وتبتز سوريا وايران وروسيا. تقول لاوروبا إن هجوم الجيش السوري على ادلب سيؤدي الى تهجير مئات الآف المدنيين ولجؤهم الى تركيا وتالياً الى دول القارة العجوز . تقول لسوريا وايران وروسيا إنها بحاجة لمزيد من الوقت لفصل تنظيمات المعارضة السورية المعتدلة عن الفصائل الإرهابية (“النصرة” وغيرها) لتسهيل القضاء على هذه الأخيرة.
الواقع يؤشّر الى اغراض اخرى مريبة . ذلك ان تركيا حشدت قوات برية ومدرعة على طول الحدود مع سوريا ، ولا سيما بين محافظة ادلب وولاية اسكندرون المتجاورتين ، بل هي عززت قواتها في نقاط المراقبة حول منطقة “خفض التصعيد”، ايّ داخل المحافظة نفسها . فوق ذلك ، تتحسب دمشق لقيام حكومة انقرة بإخضاع محافظة ادلب لترتيبات ادارية وامنية مشابهة لما فعلته في منطقة عفرين السورية المحتلة حيث فرضت التداول بالعملة التركية ، واعتماد المناهج التركية في التدريس والتعليم، وإقامة بنى تحتية خاصة بها . بإختصار ، ثمة دلائل ناطقة بوجود مخطط متكامل لوضع مناطق واسعة في شمال سوريا وشمالها الغربي كما الشرقي تحت سيطرة تركيا بدعوى تفعيل مكافحة الفصائل الارهابية ومنع الكرد السوريين الانفصاليين من اقامة كيان مستقل لهم في تلك الاصقاع.
اميركا تبدو مرتاحة الى ما تقوم به تركيا. سرّها تصريح اردوغان بأن الهجوم السوري على ادلب معناه الإقتراب من حدود تركيا التي هي “حدود اطلسية”. أليست تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (“الناتو”) ؟ الى ذلك ، يثابر ترامب على التهديد بأن استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي سيحمل الولايات المتحدة على الرد عليه بعنف ، بل هو يذهب الى ابعد بقيام قواته المتمركزة في منطقة التنف السورية على الحدود مع العراق بتدريب فصائل ارهابية ودعمها لمهاجمة المواقع والقوات السورية في بادية الشام الجنوبية الشرقية. بإختصار ، ترامب يتعاطى مع سوريا في إطار حملةٍ صهيو-اميركية متصاعدة ترمي الى إبعاد الوجود الإيراني عن سوريا بشتى الذرائع والوسائل.
روسيا ، كما ايران ، تدركان أبعاد التحركات التركية والاميركية والإسرائيلية في غرب آسيا . تضعان في الحسبان ظروف حساسة لدى بعض الدول والقيادات ، ولاسيما بالنسبة لترامب في موسم الإنتخابات النصفية الاميركية التي ستجري مطلعَ شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. تحرصان تالياً على تفادي ممارسة ضغوط ميدانية شديدة لئلا تحمل الرئيس الاميركي على اتخاذ مواقف متطرفة لحفظ ماء الوجه والظهور بمظهر الرئيس القوي بغية التأثير في الإنتخابات الماثلة والبالغة الحساسية في بلاده.
غير ان “مراعاة” ترامب تكتيكياً لا تتطلب من روسيا بالضرورة تعريض مصالحها وامن قواتها في سوريا للخطر . فالتنظيمات الإرهابية في ادلب المرتبطة بالولايات المتحدة تمويلاً وتسليحاً تقوم بمهاجمة القوات الروسية في قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية بالطائرات المسيّرة . كما تهدد بفتح جبهة في غرب حماة وحلب في سياقٍ يؤدي، وفق تقديرات موسكو ومخاوفها المتصاعدة الى محاولة العودة اليهما. لذلك تتجهه روسيا الى تبني موقف دمشق المتبصّر والرامي الى تجزئة معركة ادلب بحصر الإشتباك ، بادىء الامر ، بمناطق جسر الشغور وسهل الغاب واعالي جبال اللاذقية المحاذية لجنوب محافظة ادلب حيث تستطيع روسيا تبرير مساندتها المنتظرة للجيش السوري المهاجم بأنه تدبير تقتضيه حماية امن قاعدتيها القريبتين في حميميم وطرطوس .
اعتماد تكتيك التجزئة في مقاربة معركة ادلب لا يعني البتة ان سوريا، كما روسيا ، بصدد التهاون في القضية الاساس وهي استعادة وحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني بكل الوسائل المتاحة ، عاجلاً او آجلاً .
في هذه الاثناء ، تضاعف روسيا جهودها لحمل تركيا ودول اوروبا على التسليم بأن حل قضية اللاجئين حاليّاً، كما المدنيين المحتمل نزوحهم من محافظة ادلب جرّاء ضراوة القتال ، يكمن في اتفاق جميع الاطراف المعنيين بهذه المشكلة على إنهاء وجود الفصائل الإرهابية في ادلب بقطع الدعم اللوجيستي عنها ومحاصرتها وضربها لضمان سيطرة كاملة للجيش السوري ، وإغتنام مناخ التوافقٍ بين اطراف مؤتمر استانا من اجل تمكين السوريين “المهاجرين” الى ادلب وغير الراغبين في العودة الى مناطقهم الاصلية لدواعٍ امنية من البقاء حيث هم ومساعدتهم اجتماعياً.
ظاهر الحال يؤشر الى ان لا تطور حاسماً سيجري في ادلب قبل انتهاء الإنتخابات النصفية الاميركية مطلعَ تشرين الثاني /نوفمبر المقبل .