الانتصار السوري.. و “البلطجة” الأمريكية..
د. جمال زهران
أصبح الموقف في سوريا محسومًا لصالح الدولة السورية الواحدة (شعبًا وجيشًا وقيادة)، بعد سبع سنوات من النضال ضد الإرهاب وصانعيه وداعميه ومموليه. وقد تم تطهير 96% من إجمالي الأرض السورية من الإرهاب والإرهابيين، ولم يعد متبقيًا سوى 4% في الشمال الغربي (ادلب)، وفي الشمال الشرقي (الرقة)، حيث توجد القوات الأمريكية وقواعدها العسكرية في هذه المنطقة.
كما أصبح الفاعل الرئيسي في إدارة الأزمة السورية، هو دولة روسيا الاتحادية، القطب الدولي الذي عاد إلى الساحة الدولية على خلفية الأزمة في سوريا. واستطاع أن يفشل المؤامرة الاستعمارية الإرهابية الدولية وبتعاون وتمويل أطراف إقليمية خليجية، من الانقضاض على سوريا وتحويلها إلى دمار كما حدث في العراق الذي بدأ يتعافي مرة أخرى في إطار محور المقاومة والتحرير والاستقلال.
كما أن الفواعل الإقليمية في دعم الدولة السورية، هي كل من إيران والعراق، بالإضافة إلى حزب الله في لبنان.
وقد يتصور البعض واهمًا أن ملف الأزمة السورية لازال مفتوحًا!! إلا أن هؤلاء الواهمين، لازال سوء الإدراك، وعدم دقة التقدير لما يحدث، يسيطر عليهم. وقد تناسى هؤلاء أن الرئيس بشار الأسد كان هدفًا، وتراجع الجميع عن المطالبة بإقالته ورحيله، وأصبح الحديث في هذه المسألة هراء!! كما تناسى هؤلاء انتصارات الجيش السوري على الإرهاب في كل أنحاء سوريا وآخر هذه الانتصارات في الجنوب السوري بعد تحريره من قبضة الإرهاب والوصول إلى الحدود مع فلسطين التي يغتصبها العدو الصهيوني، ومن ثم فإن استمرار الأزمة السورية أصبح هراء، وقد آن الأوان لإعلان الانتصار السوري الساحق على عصابات الإرهاب الممولة والمدعومة أمريكيًا وغربيًا بل وإقليميًا.
وقد كان للتدخل الروسي مؤخرًا بعقد اجتماع في “سوتشي”، ضم تركيا وإيران، لدعم خيار الرحيل السلمي لجماعات الإرهاب من “ادلب” والمدعومة من تركيا، بدلاً من الحل العسكري الذي تصر عليه سوريا بتحرير ادلب كاملة وعدم السماح بوجود أي جماعات إرهابية على الأرض السورية. بل أن الرئيس السوري أعلن في آخر خطاباته، وأحاديثه الصحفية، أنه لن يسمح بوجود جماعات إرهابية، أو قوات أجنبية على أرض سوريا مهما كان الثمن، وقد كان يقصد بوضوح تلك القوات الأمريكية وقواعدها العسكرية في “الرقة” والشمال الشرقي في سوريا.
كما أكدت روسيا على هذا المعنى، بالقول على لسان الرئيس الروسي (بوتين)، بأنه غير مسموح بوجود أي قوات أمريكية أو غيرها على الأرض السورية، لم تسمح بوجودها الدولة السورية. بل أعلن أخيرًا بأنه حتى القوات الروسية سترحل بعد رحيل الجميع.
فماذا كان رد فعل المتغطرس “ترامب”، أن أعلن عن أنه يمكن سحب القوات الأمريكية وتفكيك القواعد العسكرية الأمريكية، مقابل إعطائه (3-4) مليار دولار!! أليست هذه هي بلطجة أمريكية واضحة يمارسها الرئيس ترامب بكل فجور، ليحول أمريكا بلد الحرية إلى بلد تمارس كل أنواع البلطجة من طلب المقابل من دول الخليج نظير حمايتها!! بل أنه قرر تطبيق قانون “جاستا” على الدول التي دعمت إرهاب 11 سبتمبر 2001م!! وفوق هذا وذاك يطلب مقابل الرحيل عن سوريا ماديًا بما يوازي (3-4) مليار دولار!!
إن هذه “البلطجة” التي تمارسها إدارة ترامب، تسعى لتحقيق عدة أهداف منها وفي مقدمتها تحصيل أموال لدعم الاقتصادي الأمريكي ليحافظ على شعبيته وربما يستمر لفترة ثانية أن استطاع إكمال الفترة الأولى، وهو من المستحيلات في تقديري. كما يسعى إلى تأصيل الربط بين السياسة الخارجية والعسكرية وبين المقابل لهذه الأفعال!! وقد تخلى إذن عن فكرة الدور العالمي لأمريكا، وتخلى أيضًا عن الحلفاء وقد طالبهم بالمقابل!! أي أنه حول أمريكا ورئيسها وجيشها إلى “مرتزقة”، وهي في الأصل ممارسة “البلطجة” بالقول والفعل، أي التهديد والوعيد، والاستعداد للتنفيذ الفعلي!!
إن أمريكا تواجه مصاعب جما في عهد “ترامب” المتغطرس، والذي يفتقر إلى الإحساس بالآخرين، والأسوأ هو ممارسة “البلطجة” بشكل سافر، وسط رفض عالمي لهذه السياسات غير المعهودة من أمريكا. وقد ترتب على هذا النهج في ضوء تصوره أنه يحكم العالم وحده ويسيطر عليه بالقوة، انحسارًا وانسحابًا إجباريًا للنفوذ الأمريكي خاصة في إقليم الشرق الأوسط (المنطقة العربية ودول الجوار الجغرافي) في ذات الوقت الذي تتمدد روسيا وتتسع دوائر نفوذها في الإقليم.
أخيرًا: فإن الانتصار السوري، قد أكد على تغيير النظام العالمي من الأحادية إلى التعددية أو الثنائية، وأن أمريكا لم تعد تحكم العالم كما كان قبل عشرين عامًا، وأن الاتجاه شرقًا قد حمى سوريا من السقوط والتفكك والانهيار. عاش جيشنا الأول وشعبنا الشقيق والقيادة السورية.