يا ابرياء العالم … إتحدوا !
د. عصام نعمان
قد يتساءل ابرياء مظلومون كثيرون : لماذا الاقوياء يندفعون الى نصرة اعلامي سعودي مظلوم ويتجاهلون ويخذلون ملايين الابرياء المظلومين الفقراء في فلسطين واليمن وسوريا والعراق وليبيا والصومال وآخرين ربما اكثر منهم عدداً واقسى مظلومية في شتّى انحاء العالم ؟ لماذا هذا التمييز السافر والجائر ؟
الجواب : لأن عالمنا المعاصر بات في قبضة الاقوياء على نحوٍ غير مسبوق : أقوياء السلطة ، وأقوياء المال ، وأقوياء السلاح ، وأقوياء الإعلام ، وأقوياء العصبيات العنصرية والطائفية . هؤلاء لا يكترثون للمظلومين ولا للابرياء لأن عالمهم لا يعرف عدالةً ولا يُقيم للبراءة اعتباراً.
الأقوياء متضامنون دائماً. متضامنون رغم خلافاتهم وصراعاتهم على المكاسب والأسلاب. ما يجمعهم اقوى وافعل مما يفرّقهم . تجمعهم مشاعرهم ومصالحهم وتحالفاتهم ضد الابرياء، ميسورين او فقراء ، مظلومين او متروكين الى حين .
الأقوياء على درجاتٍ من القوة والسطوة والنفوذ. يتنافسون ويتناحرون ويتحاربون في ما بينهم ، لكنهم يتماسكون ويتحدون دائماً ضد خصومهم من الأبرياء، رجالاً ونساءً.
الأبرياء ، اي ذوو النيات الطيبة وغير الفاسدين ، على درجاتٍ متفاوتة من الوعي والحضور والفعالية . يلتزمون بدرجاتٍ متفاوتة قيمَ الحق والحرية والخير والعدل والجمال. لكنهم متآلفون غالباً رغم تبايناتهم التي تتفجر احياناً خلافاتٍ وصراعات. ضحالةُ الوعي وقلة الحيلة ومحدودية الامكانات تجعلهم في غالب الأزمان ضحية الاقوياء وموضع استغلالهم المرير. لذا كان الإنسان في معظم تاريخ نشأته وارتقائه وسيلةً ومطيّة للأقوياء .
في حاضرنا اليوم تتركّز الأضواء على مسألة اختفاء او إخفاء الاعلامي السعودي المميّز جمال خاشقجي. لم يتمكّن القادة السياسيون المعنيون ، بعد، من التوافق على تحديد هوية الفاعل ومسؤوليته بشكلٍ لا يسيء الى فئة الاقوياء في بلده كما الى حلفائهم في سائر دول العالم . اجراءات الإخراج في هذا السبيل تجري على قدمٍ وساق. قد يأخذ الامر وقتاً ، لكن الأقوياء في السعودية ودول الاقليم والعالم سيتوصّلون ، عاجلاً او آجلاً ، الى صيغة سياسية وقانونية من شأنها تحديد خسائر الاقوياء ، بمختلف انتماءاتهم ومصالحهم ، واعادة تصويب المهداف على جمهور الأبرياء في دول الاقليم والعالم . وفي سياق التوصل الى الصيغة المتوخاة، تنطلق تجاذبات وتنفجر تهديدات وتجري مساومات ضمنية او علنية ذات مضمون مالي او مدلول سياسي قبل بلوغ التسوية المطلوبة .
هل يتعظ الابرياء ؟ هل يستخلص قادتهم ، خصوصاً الاكثر وعياً وممارسةً وخبرةً ، الدروس والعِبَر مما جرى ويجري ؟
هل ثمة فرصة وأمل في ان يستخلص هؤلاء حقيقةً ساطعة في عالمنا المعاصر مفادها ان الظاهرة الاكثر حضوراً وحركة وتأثيراً في مجتمعاتنا عموماً والآسيوية والافريقية والاميركية الجنوبية خصوصاً هي انقسام او تقسيم الناس الى فئتين متقابلتين : اقوياء وابرياء ؟ انه انقسامٌ او تقسيم عامودي عابرٌ للأعراق والامم والاديان والبلدان والحكومات والطبقات والثقافات . قد تتخلل هذا الإنقسام او التقسيم ظاهرات استثنائية يتميّز بعضها بإستقواء جماعة من الابرياء الى حين على جماعة من الأقوياء في زمان ومكان ، او يتميّز بعضها الآخر بتحالفٍ طارىء او مؤقت بين جماعة من الاقوياء واخرى من الابرياء بغية التوصل الى قواسم ومصالح مشتركة. لكن القاعدة السائدة في الغالب الاعم هي استقواء الاقوياء على الابرياء، مظلومين او متروكين الى حين ، بل التحكّم بهم واستغلالهم واضطهادهم والحجر عليهم في اعمالِ واماكن وبيئات بالغة السؤ.
اذا كان الامر كذلك ، أما آن الاوان لتتحرك في كل انحاء العالم طلائع واعية وشجاعة من الابرياء المظلومين او من الابرياء المتروكين او من كليهما لإطلاق دعوةٍ لتعميق الوعي بالأوضاع والمصالح والمصائر ، وتنظيم حركة لتعبئة الجهود بغية الحدّ من غلواء واستقواء جماعات من الاقوياء وصولاً الى كسر احتكارها للسلطة والقوة والثروة والفرص وصناعة مفردات الحياة في كل زمان ومكان ؟
ألا يستأهل الابرياء ، في كلٍّ من بلدان العالم نقابة او هيئة او اتحاداً يُعنى بآلامهم وآمالهم ، بحقوقهم وامنهم وضمان عيشهم الكريم لمواجهة تحدياتٍ تعترض مسار حياتهم وسيرورة مصيرهم ؟
اما آن الاوان لإطلاق نداء كوني جديد في غمرة المخاض الذي يلف الربع الاول من القرن الحادي والعشرين ، جوهره هتاف صارخ : يا ابرياء العالم اتحدوا !
اتحدوا لتحموا انفسكم ، وتصونوا براءتكم ، وتنتزعوا حقوقكم ، وتبنوا قدراتكم ، وتصنعوا مفردات حياتكم في مسار إلتزامكم الذاتي بقيم الحق والحرية والخير والعدل والجمال.