الاتجاه نحو الشرق.. وتحديات العلاقات المصرية الروسية..
د. جمال زهران
لعل الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا إلى روسيا، تمثل أهمية كبيرة بالمقارنة بالزيارات السابقة منذ توليه رئاسة مصر عام 2004م. وتتمثل هذه الأهمية في أن في هذه الزيارة قد اتضحت الأمور في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فضلاً عن أن ثبات القيادة في البلدين تعطي زخمًا للعلاقات، حيث أن هذه الزيارة هي امتداد لما سبق، ولا يستطيع أيًا من القيادتين الزعم بعدم المعرفة. وعلى العكس من ذلك فإن تغيير أوباما إلى ترامب في الولايات المتحدة منذ عامين تقريبًا، قد أدى بضرورة بذل الجهد في الحوار بين مصر وأمريكا ترامب. وهذا لا يعني عدم أهمية التغيير. كما أن اللقاء بين رجلين مثل (السيسي – بوتين)، هو لقاء بين رجلي مخابرات، ومن ثم فإن ما يقدم ويطرح قد لا يكون هو الحقيقة الكاملة. في ظل هذه الأهمية لهذه الزيارة، فإن علاقات البلدين تواجه تحديات كبرى، وتتمثل في:
1- حالة الشك والثقة: فمن الواضح أن روسيا تعاني من مشكلة اهتزاز الثقة مع مصر منذ عام 1972م، حيث قرر السادات في صورة تليفزيونية إنهاء مهمة الخبراء السوفييت في مصر، تمهيدًا لمد الجسور مع الولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك وصولاً لزيارة إسرائيل واتفاقيتي كامب ديفيد، وأن أوراق اللعبة في القضية الفلسطينية في يد أمريكا بنسبة 99%!! وقد حدث أن أوضح لنا المستشار الأول للرئيس بوتين في موسكو، لوفد شعبي مصري مكون من (11) عضوًا، تشرفت أن أكون عضوًا فيه في أكتوبر 2013م، تلك الشكوك القائمة لدى القيادة الروسية. ولذلك فهم متخوفون من مصر. ومن ثم فإن الفريق المصري لابد أن يدرك هذه الحقيقة، وذلك بغرس الثقة، والالتزام الكامل بالاتفاقات، وعدم الالتفات للضغوط الأمريكية في شأن دعم العلاقات بين روسيا ومصر.
2- حالة التعاون والحياد: فقد استطاعت روسيا تثبيت أقدامها في المنطقة على خلفية الأزمة السورية، ولم تسمح روسيا للولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، بالتمكن من إسقاط النظام وتدمير الجيش السوري، وبالتالي خرجت سوريا من معاناة الثماني سنوات، منتصرة بالتماسك الداخلي والدعم الروسي. وفي هذا السياق، فإن مصر مطالبة بضرورة التعاون مع روسيا على خلفية أن سوريا دولة عربية والإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة، ولا يجب أن تتخلى عنها مهما كانت الضغوط في الاتجاه المعاكس!! وهنا فإن مصر مطالبة بتجاوز نمط الحياد في المسألة السورية، إلى نمط التعاون. والمؤكد أن في المقابل فإن روسيا ستكون داعمة لمصر في جميع المجالات.
3- حالة الاستقلال والتبعية: حيث استطاعت روسيا تدعيم محور المقاومة، ودوله في المنطقة بين سوريا ولبنان والعراق وإيران، وغيرها، دون أن تفقد هذه الدول استقلالها. على العكس خاصة الدول المرتبطة بالولايات المتحدة تخضع لنمط التبعية وتفقد استقلالها، وترتبط بسياسات أمريكا ومصالحها في المنطقة، رغم تناقضاتها في أحيان كثيرة.
ولذلك فإن مصر مطالبة بأن تبتعد عن نمط “التبعية” للغرب الاستعماري، وتقترب من نمط “الاستقلال الوطني”، بالاتجاه شرقًا حيث روسيا والصين، والهند، وإيران وغيرها. فمن المستحيل أن تمد أو تزود أمريكا، مصر وغيرها من الدول الحليفة، بأسلحة متقدمة، وكذلك بالتنسيق الأوروبي الأمريكي؛ والسبب واضح أن إسرائيل لابد أن تكون الأقوى، فكيف تسترد الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب؟! هل بالقوة أم بالاستجداء؟!
وقد أثبتت المعونة الأمريكية العسكرية لمصر، أنه لم يتم تزويد مصر بسلاح، إلا بفجوة (1 : 10) لصالح إسرائيل، أي التزويد بأسلحة متخلفة عن إسرائيل بمقدار (10). كما أنه غير مسموح لك استيراد الأسلحة من أي مكان آخر، إلا في السنوات الأخيرة، وفي ظل حقبة ما بعد الثورتين. كما أن المعونة الأمريكية الاقتصادية، أسهمت في توليد نخبة من رجال الأعمال المرتبطين بأمريكا، فأي نمط للتبعية ذلك؟!
ولذلك فإنه بالقدر من التباعد عن أمريكا والتبعية لها، بالقدر الذي يمكن الاتجاه شرقًا وبثبات وتحقيق المصلحة الوطنية العليا، وباستقلال وطني واضح. وكما هو مستقر فإن الشرق يتعامل معنا كأصدقاء وشركاء، بينما لا يقبل الغرب وأمريكا إلا نمط “التبعية” فقط. ولعل في قراءة وقائع الأحداث ما يؤكد وجهة نظرنا هذه.
وبمتابعة ما تم توقيعه من اتفاقات بين مصر وروسيا، في هذه الزيارة، فقد تم حسم ملفات عديدة لعل من أهمها التوقيع النهائي للرئيسين على مشروع الضبعة النووي، وعلى الطيران الروسي والسياحة الروسية لجميع مطارات مصر (القاهرة وخارجها)، وغيرها من اتفاقات اقتصادية مهمة.
ان العلاقات بين الدولتين، لها جذور إيجابية كبرى قبل إنهاء مهمة الخبراء (عام 1972)، وتواجه الآن تحديات كبرى، أشرت إلى بعضها، وعلينا، أن ندعم الاتجاه شرقًا، لأنه يحمل الخير لمصر وشعبها بلا جدال.
د. جمال زهـران