تعطيل التشكيل الحكومي… هل قرّرت الطبقة السياسية أنّ الانهيار خيار؟؟
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة
قد يكون العنوان صادماً، أو مستغرباً.. لا بأس… فالعقل القابع في التفكير المتأخر، والماضويّ غير القادر على استنباط الجديد، والتفكير العلمي المنهجي بآليات صناعة المستقبل، يظلّ قاصراً عن التقاط الاشارات ومعرفة الاتجاهات، وكان قد قالها فلاسفة العصور الغابرة؛ إنّ المستقبل الذي تتوقّعه هو ما تصنعه، وأنتج العقل البشري مناهجاً وعلوماً نجحت في رسم سيناريوهات استباقيّة للمستقبل قاربت أن تكون تنبؤية، ومنها كتاب البجعة السوداء، الذي نسف قواعد التفكير القديمة، وضرورة البحث في المستقبل بعقلية مستقبلية، ومغادرة قواعد ما كان قاله السلف، فشواهد الأمس ذهبت أدراج النسيان. أما غداً فينتج شواهده غير المطابقة لما كان.
تشكيل الحكومة اللبنانية متعثّرٌ لأسبابٍ تافهة، والرؤساء والعارفون ينبّهون من المخاطر، ويحدّدون أزمنةً قريبةً لانفجار الأزمة، وبينهم بري وجنبلاط الموصوف بأنّه لمّاحٌ ويعرف ما لا يعرفه الآخرون، ودقّ الجرس بشدّة.
في تقاليد تشكيل الحكومات اللبنانية، يوم كانت السفارات، أو المندوبون السامون، كانت تُشكّل بلمحة بصرٍ وبإملاءاتٍ والكلّ يقبل، أمّا اليوم فلا أحد يقبل، وكلّما استُجيب لشرط جهةٍ تنشأ شروطٌ لجهاتٍ أخرى تعطيليّة، وهكذا دواليك، ليجعل العاقل يستنتج أحد أمرين، إمّا الطبقة السياسية فقدت قدرتها على تدوير الزوايا فيما بينها، ولم تعد قادرةً على إنتاج أبسط التفاهمات “المحاصصات” في الفساد والنهب والاستغلال، الأمر الذي يؤكّد بذاته نضج شروط الفوضى والانهيار كعلامةٍ تاريخيةٍ منذ ابن خلدون، أو أنّها اتفقت، أو بعضها أدرك وقرّر أن يصير الانهيار خياراً، وبهذا تتمثّل بعصابات المافيا، واللصوصيّة في المجتمعات والشركات الكبرى “انهيار الفقاعة العقارية الامريكية مثالا”. فاللصوص عندما يُفتضح أمرهم، يلوذون بحرق المستودع والأرشيف لتضيع “الطاسة”…
مع مزيدٍ من تأخير تشكيل الحكومة، يزداد التفكير بهذا الاحتمال، احتمال أنّها قررت عن سبق تصوّرٍ أن يصير الانهيار بعد أن أيقنت أنّه آتٍ، وبذلك تفضّل أن يصير بلا حكومةٍ كي لا تتحمل مسؤوليته، فليأتي وهي بعيدةٌ عن المسؤولية المباشرة، وتأمل أن تؤمّن نفسها مرّةً ثانيةً بالعودة إلى الحياة السياسية والسلطة كمنقذ…
في لبنان، وكما في كلّ التجارب التي انفجرت فيها النظم والمجتمعات، نقع على وقائع تعزّز هذا القول؛ فأزمة 1958 شاهدةٌ، والحرب الأهلية وشراراتها شاهدة، وإسقاط حكومة عمر كرامي 1992 شاهدٌ، وهكذا…
من يستطيع وراثة الطبقة السياسية إن تُركت الأمور تذهب إلى نهاياتها في الانهيار الاقتصادي والمالي لسبب العجز، أوالهروب!؟.
الشارع وحراكه، لكنّه غير موفورٍ على النحو الناجز، وتغيب الكتل والقوى الاجتماعية الوطنية الجامعة والحاملة لمشروع التجديد..
إذاً: الجيش، وهو المؤسسة الوطنية الجامعة، والمنظمة، والركن الحصين للدولة العميقة، وحماة النظام، والمأزومة بفعل سياسات الطبقة ذاتها، ربما يحول الدستور وقواعد العمل السياسي السابقة دونه لكنّ الأزمات تستدعي البجعات السود… وفي الأزمات تصير سابقةً وليست من جعبة الماضوية، وفي ظلّ العجز لا بدّ لأحدٍ أن يتقدّم، وفعلها الجيش المصري ووضع يده على السلطة، وفعلها بوتين في روسيا عبر الجيش، وفعلها محمد بن سلمان – بلا شارعٍ – إنما بالأسرة وبلاك ووتر وبالتحالف مع ترامب…
في لبنان: لنتذكّر أنّ فخامة الرئيس عسكريٌّ، وآمن بأنّ الجيش هو الحل، واختبر الحكومة العسكرية… وهو اليوم على تحالفٍ متينٍ مع الكتلة الشيعية، وبين الجيش والكتل المسيحية والشيعية والسنية الداعمة لخيار المقاومة نيابياً وشعبياً، ورغبة جنبلاط بالخروج من الأزمة بأقلّ الخسائر، وفي ظلّ تفاقم أزمته مع المستقبل، تبدو الأمور أيسر على الانقلاب الدستوريّ، جيشٌ ومجلسٌ نيابيٌّ ورئاسة جمهورية وكتلٌ شعبيّةٌ ونيابيّةٌ وازنة…
دعونا نفكّر من خارج الصندوق، فمنطق الرئيس المكلّف، وما ألحقه من أذيّةٍ بنفسه وجنسيته اللبنانية الثانية، ربما يدفع لتأخذ الأمور مساراتها ويقع الانفجار، ما يفرض على الجيش والرئاسة والكتل الشيعية والمسيحية والدرزية والسنية الداعمة لخيار المقاومة، ابتداع خطوةٍ غير تقليديةٍ… لنتذكر سابقة أزمة 1958…
العجز، والتحلّل، والرُّهاب، وعدم الاستجابة للضغوط والمطالبات بحكومة إنقاذٍ يضع البلاد على حافة الانفجار… فماذا سيكون بعده؟ وكي لا يكون آخر الدواء الكيّ نأمل أن تنتهي إشكالية التشكيل في الايام القليلة القادمة لما فيه خير الوطن…