“إسرائيل” بين الشرعية القانونية والشرعية السياسية..
د. جمال زهران
يقُصد بالشرعية القانونية، الحصول على مكسب ما وفقًا للنظام القانوني بغض النظر عن أن هذا النظام عادل أم ظالم. بينما يقصد بالشرعية السياسية، القبول من الآخر بالاعتراف والتسليم بما حصل عليه الطرف الآخر من مكسب أو مركز قانوني. وتأكيدًا لهذا يمكن الإشارة إلى أمثلة عديدة أبرزها الصين الشعبية التي قامت فيها الثورة عام 1949م، ورفض العالم من خلال الأمم المتحدة الاعتراف بها رغم أنها دولة وقامت فيها ثورة، واعترف بجزيرة (فورموزا)، باعتبار أنها الصين الوطنية، وحصلت بالشرعية القانونية على مركز قانوني بعضوية مجلس الأمن، إلا أنها لم تحصل على الشرعية السياسية. بينما الصين الشعبية لها شرعية سياسية بقبول واعتراف دول عديدة، في مقدمتها مصر التي اعترفت بالصين الشعبية عام 1956م، وأعلنت مصر عن إقامة علاقات دبلوماسية بين مصر والصين، وأهدت الصين آنذاك قصرًا فخمًا على ربوة عالية، يعد من أرفع القصور الأثرية، ليكون مقرًا لسفارة مصر في بكين (وتشرفت بزيارته عام 2005م، وهو أفضل سفارة لمصر في العالم كله). فتايوان (فورموزا) حصلت على مركز قانوني دون شرعية سياسية، بينما حصلت الصين على شرعية سياسية بالقبول العالمي، بينما لم تحصل على المركز أو الشرعية القانونية، إلى أن اعتدل الأمر في بداية السبعينيات وخرجت الصين الوطنية (فورموزا أوتايوان) من مجلس الأمن وحصلت الصين مكانها لتحصل على الشرعية القانونية والتي سبقتها الشرعية السياسية التي فرضت على مراكز القرار العالمية التراجع، ومنحها الشرعية القانونية.
وفي المنطقة العربية، فقد حصلت دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل)، على شرعية قانونية بالقرار (181) لعام 1947م، بتقسيم فلسطين إلى دولتين (إسرائيل – فلسطين) بينما الأماكن المقدسة تحت إشراف دولي. ويعني ذلك اعترافًا دوليًا بدولة إسرائيل وإكسابها الشرعية القانونية ومن ذلك الوقت عام 1947م، بإعلان دولة إسرائيل على أراضي الدولة الفلسطينية، وإسرائيل تسعى إلى الشرعية السياسية، بمعنى الحصول على اعتراف وقبول الأطراف العربية المحيطة بها، وهو ما لم يحدث حتى عام 1977م، 1978، 1979م. حيث قام السادات بزيارة إسرائيل عام 1977، ثم عقد اتفاق كامب ديفيد المشئوم عام 1978م، ثم الاتفاقية المصرية الإسرائيلية عام 1979م. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل بدأت في التخطيط للحصول على كامل الاعترافات من الدول العربية، وفي ظهرها الداعم الأكبر وهو الولايات المتحدة ومعها دول أوروبا الغربية وفي مقدمتهم بريطانيا التي أعطت وعد بلفور عام (1917م) الذي مضى عليه (101) عام، وأسست دولة إسرائيل!! أي أن أول اعتراف بإسرائيل، كان من مصر، واعتبر ذلك أنها نهاية الحروب في المنطقة، وهو ما لم يحدث، بل ولن يحدث. فإسرائيل كيان استعماري هدفه الأساسي، الحيلولة دون إقامة دولة الوحدة العربية، وإعاقة تقدم هذه الدول، وزرع عدم الاستقرار فيها، بل والسعي لتفتيت الدول العربية بأداة الحرب ومشروع الشرق الأوسط الجديد، وحدث ذلك في العراق وليبيا واليمن، واستهدفوا سوريا التي رغم تدمير مناطق عديدة منها، إلا أنها استطاعت القضاء على المشروع الصهيوني الأمريكي. بمعنى إن لم تخضع كما حدث في كامب ديفيد، فإن القوة العسكرية مباشرة أو بطريقة غير مباشرة هي الأداة لإجبارك على الخضوع والاستسلام، دون نسيان أن المشروع الصهيوني الأمريكي مدعوم للأسف من دول عربية وان كانت محدودة. ولذلك ليس من المستغرب أن نجد أن بعض الدول العربية الداعمة للمشروع الأمريكي الصهيوني، في مقدمة الصفوف لكسب إسرائيل والتسارع باستقبال رئيس الوزراء أو بعضًا من وزرائه، أو فرقًا رياضية…… الخ، في إطار دعم مشروعات التطبيع مع إسرائيل وإكسابه الشرعية السياسية باعتراف هذه الدول، على أن إسرائيل أصبحت دولة في المنطقة ولا يجوز تجاهلها!!
وقد أصبح يتردد بصوت عال أن مخطط “الناتو العربي” يقترب من التنفيذ، ولعل جولات إسرائيل في منطقة الخليج العربي، والزيارات الحكومية لوزير الخارجية الأمريكي ورئيسة الاستخبارات الأمريكية (C.I.A)، ومساعديهم، للمنطقة، يسهم في إشاعة قرب الإعلان الرسمي للناتو العربي”. والسؤال هنا إذا كان هذا صحيحًا، ألا يسهم في تقوية أكبر للكيان الصهيوني، لأنه محورًا داعمًا للمشروع الأمريكي الصهيوني؟ وإذا كان يتردد أن هذا المخطط لمواجهة إيران، فالسؤال: لصالح من؟! خاصة وقد أصبحت إيران الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية وسط صمت عربي؟ يصعب عليَّ كعروبي، أن أرى المشهد كسيحًا، يعمق من الخلل الحادث في موازين القوى في المنطقة، لصالح الكيان الصهيوني، فمن هو العدو السياسي لنا الآن؟ فالعدو الرئيسي للأمة العربية هو إسرائيل ومن يدعمونها، ومن زرعها على أرض فلسطين العربية بكامل ترابها، وغير ذلك تفاصيل. ومن يقول بغير ذلك، فهو مغالط، ويرى المشهد بغير الحقيقة.
ان إسرائيل بعد أن حصلت على الشرعية القانونية للأمم المتحدة، بغير حق، عام 1947م، تسعى جاهدة للحصول على الشرعية السياسية بالسعي نحو التطبيع مع دول عربية، ناسين أن الشعوب العربية بأكملها ترفض الكيان الصهيوني والتطبيع معه.
د. جمال زهـران
القاهرة في: 5/11/2018م