غزة تقدم أعظم الدروس
خميس بن عبيد القطيطي
بكل معاني الشرف والمجد والكرامة نرفع تحية عظيمة للمقاومين الأبطال في غزة هاشم الذين وضعهم القدر الإلهي في هذا الموقف المشرف للدفاع عن حياض هذه الأمة، فهنيئا لكم يا أبطال فلسطين إحدى الحسنيين الشهادة أو النصر، فلقد أرادها الخصم اختبارا للأسد في عرينه لينفذ من بعدها عملياته اللاحقة، ولكنه تناسى أن في غزة رجالا أشداء بأسهم شديد امتلأت قلوبهم يقينا بأن النصر آتٍ، فهم أصحاب قضية راسخة لا تغيرها حوادث الزمان وإن كان خصمهم أكثر نفيرا، فهؤلاء الرجال الأبطال يتناسخون جيلا بعد جيل ليسوءوا وجوه الظالمين المعتدين، وفلسطين ستبقى أرض رباط وعلامة فارقة في تاريخ هذه الأمة إلى أبد الآبدين.
لقد حاول العدو في السنوات الأخيرة وفي أكثر من مغامرة أن يباغت ويفاجئ أبطال غزة، ولكنه في كل مرة يرجع خائبا، وتكررت خيباته، ويحاول أن يغطي عليها بقصف واستهداف كل شيء على وجه الأرض، ولكن هيهات، فهؤلاء الرجال يدافعون عن قضية عظيمة وعادلة ما بقيت الأيام والسنون، وسيرتد العدوان على أهله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فمنذ الانسحاب من هذا القطاع والانسحاب من جنوب لبنان والعدوان في حالة تراجع وانسحاب، ولم يتحقق لهم أي انتصار سوى خيبات الأمل بسقوط المدنيين الآمنين، وتدمير الأرض وما عليها، ولكن جباه المجد وسواعد البطولة تثور من تحت الأرض في وجه الظالمين لتعانق أعالي السماء.
العدوان الأخير وكل الهجمات والمغامرات منذ انتفاضة الحجارة وما بعدها يؤكد للعالم أن هذه الأرض المحاصرة، وهذا الشعب العظيم الذي تجاوز المليوني نسمة في قطاع غزة، كلهم مشاريع شهادة، فهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فالرحمة على من قضى، والعزة والمجد والشرف العظيم لمن ينتظر وما بدلوا تبديلا.
الحقائق على الأرض واضحة جلية لا تحتاج إلى شحذ قرائح الأدب والاحتفاء بها، فهي ماجدة قبل أن نمجدها، وهي تقول اختصروا المشقة والمسافة على أنفسكم يا معتدون، فغزة هاشم لن تتغير طالما هناك رجال يناهزون قمم الجبال شموخا، وبعدالة قضيتهم يؤمنون وبالوعد الإلهي واثقون، لذا فهم ينتقلون من نصر إلى آخر يرتقبون النصر الشامل الأخير.
هنا نحاوركم يا من أردتم أن تكون فلسطين دولة للقومية اليهودية، تجاهلتم أن كل دول العالم بها من كل الطوائف والأديان، نحاوركم حوارا من نوع آخر الحوار الذي لا تعرفون سواه، وهذه هي الحقيقة الدامغة، نقول لكم ماذا تعرفون عن كتائب المقاومة (الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، ألوية الناصر صلاح الدين، لجان المقاومة الشعبية، كتائب أبو علي مصطفى، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كتائب المقاومة الشعبية الجبهة الديمقراطية، كتائب شهداء الأقصى) وباقي الفصائل المقاومة في فلسطين الأبية؟ وماذا تعرفون عن استعداداتهم التي لا تتوقف في الليل والنهار في الشتاء والصيف؟ فهم يعلمون أن المعركة مستمرة هكذا أرادها العدو قياسا بالتاريخ الحديث منذ الانتداب ووعد بلفور مرورا بجميع المجازر والمذابح الجماعية والهجرات القسرية والحروب المؤرخة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي والتي لم تسجل سوى القتل والدمار والاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والإرهاب، وانتهاك الحقوق الفلسطينية التي لن تعود إلا كما أخذت، فالمقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى طوال الـ100 عام الماضية منذ 1917م مرورا بجميع الثورات والانتفاضات والبطولات التي سطرها هؤلاء الأبطال، وقد سخرهم القدر لهذه المكانة العظيمة التي ستبقى خالدة.
نعم الزمان يدور ولكن أبناء فلسطين لم ولن يرفعوا راية الاستسلام، فقلوبهم عامرة بالإيمان بأن النصر آتٍ لا محالة، ومن سقط فهناك من يخلفه حتى يتم الانتصار العظيم، واستعادة كامل الحقوق، ولا شك أنكم تفهمون هذه اللغة، وهذا الحوار جيدا، بل تفهمونه أكثر منا نحن العرب، وتعلمون ماذا تعني هذه الفصائل المقاومة المدافعة عن شرف هذه الأمة؟ وماذا تعد لكم من مفاجآت والتجربة خير برهان، ومحاولاتكم الأخيرة كلها باءت بالفشل الذريع، وقد وصلت صواريخ المقاومة إلى تل أبيب وقبتكم الحديدية كانت أوهن من بيت العنكبوت، إذن هم على هذا الرهان الأصيل باقون، وهذه بارقة الأمل التي ستشع في الآفاق وتكتب قيام دولة فلسطين، فغزة تقدم أعظم الدروس.