نتنياهو يحتاج لنصر دعائي وليس لحرب
حسن حجازي *
بعد تصدع صورته كحامٍ لامن الصهاينة وكقائد ضروري للعبور بكيان الاحتلال في بحر التهديدات المتلاطم الى شاطىء الامان كما يحب أن يسمي نفسه، لا يجد بنيامين نتنياهو أمامه سوى العمل الحثيث في الفترة المقبلة لإعادة ترميم صورته بنظر الصهاينة، لا سيما بعد ضمانه شبكة أمان برلمانية تمنع سقوطه على الأقل على المدى القريب، اذ يجد زعيم حزب الليكود نفسه أمام ضرورة حتمية تقتضي منه العودة إلى قلب المعركة وتحقيق منجزات ذات بعد استخباراتي أو عسكري تبرد من الم الصهاينة الذين اكتووا بنيران الاخفاق الاخير والهزيمة الواضحة مقابل قطاع غزة.
البعض يبالغ في الذهاب بعيدا في الحديث حول الخيارات المتاحة أمام بنيامين نتنياهو وكأنه غير مقيد في حركته الأمنية والعسكرية وكأننا لم نمر بتجربة واضحة قبل ايام توضح حجم ضيق الخيارات أمام رئيس الحكومة الصهيونية، لذا قد نشهد تحريكا لبعض الخيارات العسكرية الصهيونية التي يمكن أن تصل إلى ضربات عسكرية تقليدية أو عمليات أمنية يسعى من ورائها نتنياهو لمراكمة انجازات عسكرية تعيد ضخ الدم في شعبيته التي تضررت بشكل كبير مؤخرا.
هذه العمليات قد تطال الساحة السورية مع حرص على غياب البصمات الصهيونية اي عبر القيام بعمليات ذات طابع أمني قد يطال أهدافا في الداخل السوري دون اللجوء إلى استخدام سلاح الجو من أجل عدم استفزاز الجانب الروسي، وربما يلجأ الاحتلال الى عمليات الاغتيال لقادة فلسطينيين في الخارج مثلما حصل مع الشهيدين الزويري والبطش أو عبر اللجوء إلى رفع وتيرة الرد لتسجيل نقاط في قطاع غزة من دون الذهاب نحو دفع المقاومة الفلسطينية الى مواجهة موسعة، كما يمكن لنتنياهو أن يتحرك في المسار الإيراني عبر القيام بنشاطات ذات طابع استخباري يكشف معلومات ربما تكون مزعومة حول نشاطات إيران النووية، ايا يكن نوع الأنشطة التي سيلجأ إليها نتنياهو فإنها لن تتجاوز هذا السقف ولن تكون أكثر من مبادرات محدودة النطاق بهدف تحقيق إنجازات دعائية صرفة.
قد يجد البعض أن نتنياهو ربما يلجأ إلى مغامرات اوسع نطاقا قد تجر المنطقة الى مواجهة واسعة إلا أن نتنياهو حتى في أكثر اللحظات حراجة كان منضبطا دون حدود المواجهة الواسعة ولو كان بوارد الذهاب الى هذا الخيار الخطير لما عرض نفسه للأزمة الأخيرة التي كادت تطيح بحكومته لأنه رفض الانجرار لحرب واسعة في قطاع غزة.
مسألة المغامرة تبقى واردة لا سيما في ظل الأجواء المواتية إقليميا ودوليا إلا أن هذا الأمر يعيد طرح الأسئلة الجوهرية حول خيارات اسرائيل الحربية في ظل مجموعة من المعطيات المتعلقة بتوازن القوى بين الاحتلال وقوى المقاومة في المنطقة.
ففي الساحة اللبنانية تعتبر خيارات نتنياهو الاضيق في ظل امكانات حزب الله القادرة على احداث دمار هائل في كيان العدو وخسائر كبيرة على المستوى المادي والبشري كما أن المواجهة مع الحزب لن تؤدي إلى حسم واضح للمعركة وربما سيخرج حزب الله بصورة انتصار تنسف كل ما يسعى الاحتلال لتحقيقه من وراء الحرب وربما تشهد المواجهة مع الحزب تطورات قد تكون كارثية بالمعنى الوجودي في حال تمكن الحزب من تنفيذ تهديده والدخول إلى الجليل.
وهذا الحال ينسحب بشكل أو بآخر على قطاع غزة، الذي أثبتت المقاومة فيه أن لديها من الإمكانيات الكبيرة التي ستكلف “اسرائيل” اثمانا باهظة في ظل القناعة الراسخة لدى الاحتلال أن أي حرب واسعة ضد القطاع لن تغير واقع الأمر في ظل كلفة الدخول الى القطاع الباهظة جدا في أرواح الجنود الإسرائيليين، كما أن الساحة السورية لم تعد مفتوحة كما في السابق بعد أن وضعت موسكو خطوط حمراء عريضة قلصت قدرة تل أبيب على المناورة إلى أدنى حد.
كل ذلك سيجعل من خيارات نتنياهو بالغة الدقة والحساسية وسيكون شديد الحذر عند المبادرة إلى أي عمل عسكري أو أمني لان وضعه السياسي والشعبي لا يحتمل ارتكاب أي خطأ في الحسابات، فبنفس القدر الذي يحتاج فيه نتنياهو لتحقيق إنجازات سيكون حذرا من الوقوع في اخطاء قاتلة قد تطيح بما تبقى له من شعبية في الداخل الصهيوني.
*متخصص بالشؤون الصهيونية – محرر الشؤون العبرية في قناة المنار
المصدر: موقع المنار