النصرة تؤرخ هزيمتها شرق #السكة .. هل يكتب الجولاني آخر صفحات حياته؟
أحمد فرحات
السكة .. إصدار مرتقب لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، يتناول معارك شرق السكة في ريف ادلب، والتي انتهت في الشهر الأول من العام الحالي، بسيطرة الجيش السوري والحلفاء على مطار أبو الظهور العسكري، ومناطق واسعة في الريف الإدلبي والحلبي والحموي، وطرد الإرهابيين من مناطق شاسعة.
في تلك المعارك التي دارت على مدى ثلاثة أشهر تقريباً، قتل من هيئة تحرير الشام فقط 700 مسلح، وأصيب 1600، نسبة كبيرة منهم، هم فعلياً خارج الخدمة العسكرية، بحسب الإحصاءات المتداولة داخل الجماعة، فيما عدد قتلى الفصائل الأخرى المتحالفة معها ( ابرزها الحزب التركستاني، وجيش العزة ..) ليس معلوماً حتى الآن، ولكنه يقدر بالمئات أيضاً.
يحاول الإصدار بحسب البرومو الترويجي له، ابعاد تهمة الإذعان لإتفاقيات سوتشي عن الهيئة، حيث سيتحدث متزعمها أبو محمد الجولاني عن مسألة الإتهامات التي تطال جماعته من قبل الجماعات الأخرى، بتسليم المناطق للدولة السورية. ويراد من هذا الإصدار أيضاً، إظهار وحدة الهيئة، بعدما حكي عن انقسامات في صفوفها، بين تيار يريد القتال حتى النهاية، ويتزعمه “المهاجرون”، وعلى رأسهم كتائب “العصائب الحمراء” التي يقودها الإرهابي المصري أبو الفتح الفرغلي، بمعاونة من المصريين داخل الهيئة بشكل خاص، بالإضافة إلى ما تبقى من إرهابيين عرب وأجانب، وبعض السوريين.
وهناك تيار آخر، يريد ركوب قطار التسويات الإقليمية، للحفاظ على ما يعتقدون أنه مكتسبات، تم تحقيقها خلال السنوات الماضية في سوريا، ويتهم التيار الأول بفتح معارك وجبهات، تؤدي إلى خسائر إضافية في الأرواح والعتاد، بالإضافة إلى رفع مستوى النقمة الدولية على الهيئة. وبين هذا وذاك، لا يعارض الجولاني بالمطلق الإتفاق الروسي – التركي، بل يريد تطبيقاً مشرفاً، حيث طلب من الأتراك الذين تواصلوا معه السماح بالقيام بمعركة مع الجيش السوري وحلفائه، قبل أن ينسحب من المناطق التي تم الإتفاق عليها في سوتشي بين روسيا وتركيا.
ويعتقد الجولاني أن هذا الأمر، يضمن له مقعداً في المرحلة المقبلة، ويبيض صفحته أمام الأتراك .. تلك الصفحة التي شابها العديد من النقاط السوداء، عندما أقصى حركة أحرار الشام وحلفائها من مناطق واسعة من ادلب، قبل نحو عامين.
ويريد هذا الإصدار الذي سيتحدث فيه أبو محمد الجولاني، توجيه إتهام إلى الفصائل الأخرى في ادلب بالتآمر مع الغرب وإلقاء السلاح، و”معلومات وحقائق عن التآمر الدولي الذي حصل على الثورة والجهاد”، بحسب وكالة إباء التابعة للهيئة، فيما يبدو أن هذا الكلام يراد منه، التمهيد لضرب جماعة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي، المتهمة بفتح جبهة ضد الهيئة، ابان معارك شرق السكة، لتشتيت مسلحي الأخيرة.
كما سيقدم الإصدار مقاطع تحريضية، تحاول تصوير الإرهابيين في تلك المنطقة، بالقوى القادرة على حماية المدنيين في إدلب، وتوجيه رسالة خارجية إلى الأتراك، بأن الهيئة هي الرقم الأصعب في تلك المنطقة، وعلى أنقرة التعامل معها، بما خص ترتيبات المرحلة القادمة. ويلقي هذا الإصدار المرتقب مسؤولية الهزيمة في تلك المنطقة إلى إرهابيي داعش، في لازمة تتردد في الكثير من الإصدارات مؤخراً، وكإستمرار لمسلسل تبادل الإتهامات بالخيانة والتخاذل عند كل خسارة تمنى بها الجماعات الإرهابية.
لكن الكثير من الإخبار المتداولة في ادلب، تشير إلى أن جميع الفصائل تعاملت مع مسألة داعش كمورد مالي، حيث أقدمت جلها ومنها هيئة تحرير الشام إلى إطلاق سراح سجناء من التنظيم الإرهابي لديها في معارك سابقة، مقابل مبالغ مادية، وصلت إلى عشرين ألف دولار للشخص الواحد، فيما تدرجت لائحة الأسعار بحسب الموقع التنظيمي للمعتقل، وجنسيته.
ومهما هي الصورة التي سيقدمها الإصدار الجديد، لكن الثابت هي أنه في تلك المعركة، دٌمرت قوات النخبة لدى هيئة تحرير الشام، والتي دفع لأجل تدريبها ملايين الدولارات، من الأموال التي صادرتها الهيئة من باقي الجماعات، ومن أموال المعابر والمساعدات، وغيرها من مصادر التمويل، كما أنها أدت إلى خلط الأوراق الميدانية في شمال غرب ادلب، وباتت قوات الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من معاقل الجماعات المسلحة في خان شيخون وسراقب وتل العيس، وخان طومان، وليس مدينة ادلب ببعيدة عن مرمى الجيش.
وبالعودة إلى الوضع الميداني، الذي سيحاول الإصدار تشويهه، فإن مصادر ميدانية عديدة تؤكد أن قوات الجيش السوري والحلفاء جاهزة لأي تطور في تلك المنطقة، وأن الهدوء في تلك المنطقة مرده إلى الإلتزام بالإتفاقيات الدولية، فيما تطبيق الإتفاق هو تحت المجهر، وتحت عين القيادة السورية، وحين ترى أن الإتفاقيات لا تحترم، فإنها على استعداد لتحول تلك المنطقة إلى ساحات مواجهة جديدة، قد تضطر من بقي من هيئة تحرير الشام وحلفائها إلى نشر إصدار جديد، السكة -2، تحمل الآخرين أيضاً مسؤولية هزيمتها المتوقعة.
ولمنطقة شرق سكة الحجاز الحديدية، أهمية استراتيجية بالنسبة إلى إمارة أبو محمد الجولاني، التي كان ينوي إقامتها عندما كان ممثلاً لتنظيم القاعدة في سوريا، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يتوسط محافظات حماة وادلب وحلب، ولها امتداد على البادية السورية غرباً، بالإضافة إلى احتوائها على مطار أبو الظهور العسكري، الذي حولته الهيئة خلال سيطرتها عليه إلى مقر قيادي لها، حضر فيه الجولاني أكثر من إجتماع خاص.
بكاء الهيئة على تلك المنطقة، يحمل العديد من التساؤلات، فهل يريد الجولاني فتح معركة في غرب السكة، قد يدفع حياته ثمناً لها؟ أم أنه سيعمد إلى دفع “المهاجرين” للقتال هناك، ليتخلص من قادتهم، وبالتالي يقدم أرواق اعتماد جديدة إلى الضامن التركي، وهو الذي اعتاد على تقديم مثل تلك أوراق ؟
المصدر: موقع المنار