ولي العهد السعودي قد يبني مملكة نووية
كتب رونين دانغور، وهو النائب السابق لرئيس قسم البحوث والتحليل في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مقال له نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية حول تأثير عملية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي على المشروع السعودي النووي وذلك بسبب المخاوف من تهور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واحتمال إقدامه على بناء مشروع نووي عسكري.
وقال دانغور إن عملية القتل المروعة لجمال خاشقجي قد ألقت الضوء على عملية صنع القرار المتهورة والخطيرة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فإضافة إلى الأزمة الأخيرة نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً قصة حول كيف سعى أقرب أفراد الأمن إلى إبن سلمان إلى استئجار شركات أجنبية خاصة لاغتيال كبار المسؤولين الإيرانيين – وهو عمل كان يمكن أن يؤدي إلى صراع عسكري إقليمي. يتبع هذا السلوك سلسلة من الأحداث الغريبة الأخرى في الأشهر القليلة الماضية، والتي بدأها نظام محمد بن سلمان.
وأضاف الكاتب أن ولي العهد السعودي أظهر سلوكاً متعجرفاً وقاسياً ومتقلباً. لقد ترك عدوانه دون رقابة تقريباً من خلال الضوابط والتوازنات داخل التسلسل الهرمي السعودي. وبالفعل، قام نظام محمد بن سلمان بتقييد جميع منافسيه المحتملين، وقد سيطر بشكل كامل على أجهزة الأمن والاستخبارات السعودية. كما أثبتت فضيحة خاشقجي فإن هذه السلطة تمكن الديكتاتوريين من تنفيذ العمليات الخطرة سراً. في موازاة ذلك، تمكن إبن سلمان من أن يصبح محبباً للغرب بعد أن شرع في إصلاحات اقتصادية وأطلق رؤيته المعروفة باسم “الرؤية الحديثة 2030”.
وتابع الكاتب الإسرائيلي أن ولي العهد قد أضاف تاريخ السعودية الطويل من الطموحات النووية إلى هذا المزيج. فعلى مدى سنوات، حذر المسؤولون السعوديون من أن السعودية لن تحد من طموحاتها النووية إذا كانت ستشعر بتهديد لأمنها القومي، أو إذا تقدمت إيران في برنامجها النووي. وكانت الشائعات هي أن باكستان ستضطر إلى تزويد السعوديين بالسلاح النووي الجاهز للاستخدام إذا وعندما يحين الوقت. أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا بمجرد توقيع الاتفاقية النووية (JCPOA) مع إيران في عام 2015، لإضفاء الشرعية القانونية على حقوق إيران في الحفاظ على قدرات تخصيب اليورانيوم وتطويرها. ففي بداية تشرين الثاني -نوفمبر 2018، شارك ولي العهد في حفل الافتتاح بمناسبة إطلاق أول مفاعل أبحاث نووي في الرياض.
وأضاف الكاتب أن المشروع لا يزال في أيامه الأولى وهو رمزي فقط – فالسعوديون يفتقرون إلى المعرفة والتقنيين والبنية التحتية والخبرة الأكاديمية – ولكن البلاد لديها طموح وأموال كافية للتقدم على أي حال. بعد ذلك بقليل قال وزير الطاقة السعودي إن المملكة ستطلق برنامج استكشاف اليورانيوم.
وعلى مدار العقد الماضي، كانت السعودية تعتزم شراء 16 مفاعلًا للطاقة النووية – تم تقليصها لاحقًا إلى مفاعلين – بالإضافة إلى قدرات تخصيب اليورانيوم وكان يفضل أن تكون من الولايات المتحدة، وقد ظهر ذلك بشكل بارز على الأجندة السعودية. وكانت الحجة الرسمية للمشروع النووي هي احتياجات البلاد المستقبلية للطاقة من خلال المواد النووية ذات الاكتفاء الذاتي.
ورأى الكاتب أنه في حين أن قدرات التخصيب السعودية يمكن أن تعمل على موازنة إيران، فإنها قد تشكل أيضًا برنامجاً نووياً عسكرياً مستقبلياً. فخلال المفاوضات السابقة مع المسؤولين السعوديين، أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على أن المملكة العربية السعودية يجب أن تمتثل “للمعايير الذهبية”، وهي تعكس الشروط المفروضة على دولة الإمارات العربية المتحدة عندما وافقت على شراء مفاعلات أميركية في عام 2009. هذا المعيار يتطلب التزاماً بعدم تخصيب اليورانيوم أو إنتاج البلوتونيوم كشرط صارم لأي اتفاق لبيع مفاعلات نووية. ووفقاً لوزير الخارجية الأميركي الحالي مايك بومبيو، فإن إدارة ترامب حافظت على هذه السياسة. في مقابلة مع شبكة “سي بي أس” الأميركية في آذار – مارس 2018، صرّح محمد بن سلمان بأنه “من دون شك، إذا طوّرت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أقرب وقت ممكن”.
لكن في أعقاب مقتل خاشقجي، حث أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إدارة ترامب على الحد من أي نية لبيع مفاعلات نووية للنظام السعودي. هذه الخطوة ضرورية بالتأكيد، لكنها ليست كافية. ويمكن للرفض الأميركي لمطالبه دفع الأمير محمد بن سلمان إلى البحث عن خيار بديل في مكان آخر، مع المنتجين الذين سيكونون سعداء للغاية بمساعدة السعوديين إذا حصلوا على السعر المناسب.
وأشار الكاتب إلى أن الكثير من السلوك الحالي لإبن سلمان يتماهى مع تجارب سابقة ثلاثة حكام آخرين في الشرق الأوسط هم: الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والزعيم الليبي معمر القذافي، والرئيس السوري بشار الأسد. فهؤلاء كان لديهم قاسم مشترك في طموحاتهم اللامتناهية، الأمر الذي قادهم في النهاية إلى الترويج لبرنامج الأسلحة النووية سراً، واعتمدوا جميعًا بشكل كبير على أنظمتهم الأمنية عند إطلاق هذه الخطط. فلم يكن لدى ليبيا وسوريا بنية تحتية نووية كافية، ولذلك اشترت ليبيا مشروعاً نووياً جاهزاً من شبكة عبد القادر خان (العالم النووي الباكستاني)، وفي الحالة السورية من كوريا الشمالية.
وأوضح دانغور أن القضية النووية السعودية مثّلت تحديًا أمام الإدارة الأميركية. فإذا نجح الأمير إبن سلمان في النجاة من الأزمة الحالية، فقد يدفعه ذلك إلى اتخاذ قرارات أكثر خطورة، بما في ذلك اتخاذ المسار النووي. وكما هو الحال في العراق وليبيا(خلال حكمي صدام حسين والقذافي)، فإن كل العناصر الضرورية لذلك أصبحت الآن موجودة: ديكتاتور واقعي مع أوهام عظمة وسوء الحكم، والسيطرة الكاملة على الأجهزة الأمنية، وأموال غير محدودة لهذا الغرض، وشعور بالعزلة، ورؤية نووية طويلة الأجل.
وكما يبدو فإن إيران تمتثل للاتفاق النووي، ويمكن أن تؤدي أي خطوة سعودية إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. ولتجنب هذا، يجب على إدارة ترامب تحذير وتقييد ولي العهد السعودي. كما ينبغي أن تراقب عن كثب أنشطة المملكة العربية السعودية النووية وروابطها.
ترجمة: الميادين نت