نتنياهو على مفترق: التهدئة ام الحرب في غزة وسوريا ؟
د. عصام نعمان
يقف بنيامين نتنياهو ، ومعه “اسرائيل” ، على مفترق : هل يختار التهدئة في التعامل مع قطاع غزة وسوريا ام يمضي في المواجهة على كِلا الجبهتين ؟
ظاهر الحال يؤُكّد أن نتنياهو حدّد خياره الاثير : القوة ، وذلك في سياق تقريرٍ سياسي قدّمه الى اعضاء الكنيست من حزبه (ليكود) مطلعَ الاسبوع الماضي بقوله : “إن القوة أهم عامل مؤثر في السياسة الخارجية. الإحتلال هراء. هناك دول احتلت ونقلت سكاناً ولم يتحدّث عنها احد. القوة هي المفتاح ، وهي تغيّر كل شيء في سياساتنا في مقابل دول كثيرة في العالم العربي” (“يديعوت احرونوت”، 2018/11/6).
لم يطلب منه احد من زعماء الاحزاب توضيح كلامه. السكوت قبول. اما المستوطنون فقد أطربهم كلامه وهللوا له. وحدها زهافا غالؤون ، الرئيسة السابقة لحزب “ميريتس” اليساري ، تجرأت على مساءلته بقولها : “بعد مرور 30 عاماً من حياته السياسية سمعنا اخيراً الحقيقة من نتنياهو : الإحتلال ليس هو الموضوع . السكان الواقعون تحت الإحتلال ليسوا مهمين . ملايين الاشخاص الذين تُداس حقوقهم يوماً بعد يوم ليسوا مهمين (…) القوة هي الامر الوحيد المهم” (“هآرتس”، 8/11/2018).
مع ذلك ، أوحت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية ان غالبية اعضاء المجلس الوزاري المصغّر تتجه الى الموافقة على الإستمرار في جهود التهدئة بين “اسرائيل” وحركة “حماس” التي تتولاها مصر. صحيفة “معاريف” اليمينية زعمت ان مصادر في حركة “حماس” كشفت ان المرحلة الاولى من الاتفاق المتوقع بين “اسرائيل” والحركة يتضمن إدخال وقود الى غزة عبرالكيان الصهيوني بتمويل من قطر ، في مقابل وقف اطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة من غزة في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية في محيط القطاع . يجري في المرحلة التالية تبادل اسرى ، واقامة ميناء في غزة ، بالاضافة الى تسهيلات اخرى مثل فتح المعابر من قطاع غزة واليه ، وزيادة عدد العمال الفلسطينيين المصرّح بدخولهم للعمل في “اسرائيل”.
يبدو ان فريقاً وازناً في التحالف السياسي الصهيوني الحاكم يعتقد ان تزايد متاعب سكان قطاع غزة وشيوع البطالة والفقر في اوساطهم سيؤدي الى الإنفجار ، وان الإنفجار بما يحمله بالضرورة من اضرار بشرية ومادية ليس في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يتعرّض ، في الوقت ذاته ، الى تهديدات ومخاطر مصدرها الوجود الإيراني في سوريا كما من حزب الله في لبنان.
ليس ثمة ما يشير ، على الصعيد الفلسطيني ، الى ان حركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في صدد الموافقة على اي تهدئة تكون بشروط “اسرائيل” او غير مجزية للجانب الفلسطيني. الدليل ؟ استمرار “مسيرات العودة” على طول السياج الفاصل بين قطاع غزة والمستعمرات الإسرائيلية في محيطه الشرقي، وآخرها جرت يوم الجمعة الماضي.
لتفادي الحرب على جبهتين ، تستميت تل ابيب لترتيب لقاء بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتن ، لكن دونما جدوى. فقد نفى الناطق بإسم الكرملين ديمتري باسكوف وجود اي موعد لإجتماع بين بوتن ونتنياهو .من الواضح ان ما يبتغيه نتنياهو هو إقناع الرئيس الروسي بمنع تمركز ايران في سوريا ولو بالقوة ، وبمنع حصول حزب الله على سلاح استراتيجي كاسر للتوازن.
موسكو تبدو غير مستعدة لإستجابة مطالب اسرائيل في سوريا او في لبنان لثلاثة أسباب : أولها عدم رغبتها ، وربما عدم قدرتها ناهيك عن إنتفاء مصلحتها في اخراج حليفتها ايران من سوريا . ثانيها عدم رغبتها في إضعاف حليفتها سوريا التي تحتاج الى دعم ايران ريثما تصبح منظومة دفاعها الجوي من طراز S-300 التي تسلّمتها اخيراً من موسكو شغّالة وقادرة على التصدي لسلاح الجوّ الإسرائيلي. ثالثها ان “اسرائيل” ما زالت ترفض تمديد فترة الإنذار المسبق الواجب اعطاؤه للقيادة العسكرية الروسية قبل انطلاق طائراتها الحربية في الأجواء السورية ما يعرّض القواعد الروسية على الساحل السوري لخطر القصف بشكلٍ مشابه لعملية اسقاط طائرة الإستطلاع الروسية ومقتل 15 من كبار الخبراء الروس قبل بضعة اسابيع قبالة قاعدة حميميم.
واشنطن تدعم تل ابيب في ما تطلبه من موسكو . فقد اعرب المبعوث الاميركي لشؤون سوريا جيمس جيفري عن أمله بأن تسمح روسيا لـِ”اسرائيل” بضرب اهداف ايرانية في الاراضي السورية لأن “في منع التموضع العسكري الإيراني في سوريا مصلحة وجودية بالنسبة الى “اسرائيل”. ولم ينسَ ان يقدّم “رشوة ” وازنة لموسكو بقوله :”السياسة الاميركية تتمثل في دحر “داعش” كلياً والتأكّد من مغادرة القوات الإيرانية وجميع القوات الاجنبية سوريا باستثناء القوات الروسية”! (“يسرائيل هيوم”، 8/11/2018).
ماذا لو اخفق نتنياهو في إقناع بوتن باستجابة مطالبه في سوريا ؟
ثمة خبراء عسكريون اسرائيليون كثر يجمعون على ان تموضع ايران العسكري في سوريا يشكّل خطراً وجودياً على “اسرائيل” الامر الذي يستوجب الحؤول دونه مهما كان الثمن . ثمة خبراء آخرون يتخوفون مما هو اخطر : “ظهور زعماء ايرانيين ذات يوم واعلانهم الحصول على سلاح نووي أنهوا تطويره سراً(…) وفي مثل هذه الحالة ، ماذا سيقترح الجيش على المستوى السياسي؟ (راجع بحث المحلل العسكري عمير رابوبورت في موقع “مكور ريشون” 2018/11/5).
هذا السؤال مطروح بطبيعة الحال على نتنياهو ، فماذا تراه يكون جوابه ؟ هل يعجّل في توليف تسوية تستجيب لمعظم شروط “حماس” كي يريح نفسه وجيشه من هموم قطاع غزة وتحدياته ، ولو مؤقتاً ، كي يتفرغ لمواجهة ايران وسوريا وحزب الله مستبقاً الصعود المتسارع لمحور المقاومة عسكرياً وتكنولوجياً وإختلال موازين القوى تالياً في المنطقة لصالحه ما يشكّل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني ؟… ام تراه يستعجل ، بمشاركة الولايات المتحدة ، حرباً على ايران وسائر اطراف محور المقاومة ظناً منه انه بذلك يجهض نموّ قدراتها وطاقاتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية ؟
نتنياهو على مفترق ، ويبدو ان قراره بالتهدئة او بالمواجهة متوجب قبل موعد الإنتخابات القادمة المرجّح اجراؤها في ربيع العام 2019.