من جامعة تفرّق الى جامعة تجمع ؟
د. عصام نعمان
واكبت عودة بعض السفارات العربية الى دمشق دعوةٌ الى إعادة سوريا الى عضوية جامعة الدول العربية . رحبت دمشق بعودة السفارات اليها ، لكنها تحفظت بشأن دعوتها للعودة الى الجامعة. يقول بعض قادتها إن سوريا لم تترك الجامعة كي تُدعى للعودة اليها بل أبعدت عنها بغير وجه حق ما يستوجب إلغاء قرار الإبعاد قبل مباشرة مراسم العودة .
صحيح ان قرار الإبعاد من الجامعة كان غير قانوني كونه لم يُتخذ بإجماع أعضائها كما ينصّ ميثاقها ، غير ان ثمة حالةً سيئة وغير مقبولة باتت تدمغ العلاقات السياسية والامنية المضطربة بين معظم دول العرب تستوجب المعالجة. الحق ان ما يستوجب المعالجة ليس عودة او إعادة سوريا الى الجامعة العربية فحسب بل البحث ايضاً في مسألة قصور الجامعة وتقصيرها منذ تأسيسها.
قد يجهل كثيرون ان جامعة الدول العربية هي اول تنظيم اقليمي في العالم . ظهورُها رسمياً في العام 1945 سبق نشأة اتحاد الدول الاميركية بين شطري القارة الثانية في المساحة بعد قارة آسيا. غير ان فعاليتها كانت دائماً ادنى من التنظيمات الإقليمية التي سبقتها او أعقبتها . مردُّ ذلك الى جملة اسباب لعل اهمها اربعة : اولها ، الوجود والنفوذ الاجنبيان في ربوع معظم اعضائها وتأثيرهما في توجيه سياساتها . ثانيها ، عدم اتفاق وبالتالي عدم ِجدّية معظمِ اعضائها في معالجة او مجابهة التحديات والمخاطر التي واجهت الامة مجتمعة او بعض اعضائها فرادى. ثالثها ، انشغال حكومات الدول الأعضاء بالقضايا والازمات الداخلية وبالتالي محدودية الإهتمام بالقضايا العربية والدولية. رابعها ، إختلال موازين القوى خلال فترة ما يسمى “الربيع العربي” وصعود التنظيمات الارهابية لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة .
إن الإهتمام المطلوب بمسألة قصور الجامعة وتقصيرها مهم ، غير انه يجب ألاّ يؤجل مسألة عودة سوريا او إعادتها الى الجامعة . ما المخرج من حال جامعة تفرّق الى اخرى تجمع وتوحّد ؟
ثمة حدثان عربيان بالغا الأهمية مستحقان في المستقبل القريب: القمة الإقتصادية في بيروت في العشرين من الشهر الجاري ، وقمة الملوك والرؤساء العرب في اواخر شهر آذار/ مارس القادم .
من المعلوم ان لبنان لم يوافق على قرار إبعاد سوريا من الجامعة وإن كان إلتزم مفاعيله من خلال اعتماد سياسة “النأي بالنفس” عن مجريات الحرب التي اندلعت في سوريا وعليها منذ منتصف شهر آذار/مارس 2011. فسفارته ظلّت قائمة وعاملة في دمشق طيلة فترة الإبعاد ، وبعض الوزراء في حكومته ، قبل استقالتها وبعدما اصبحت في حال تصريف الاعمال، يزورون دمشق ويقابلون نظراءهم السوريين ويعالجون المشاكل العالقة ، كلٌ في حقل اختصاص وزارته. هذا الواقع القائم يدعم الفكرة القائلة بأن يتولى لبنان دعوة سوريا الى المشاركة في القمة الاقتصادية العتيدة. ولا شك في ان دعوةً توجّه الى سوريا على النحو السالف الذكر تشكّل مخرجاً بروتوكولياً لائقاً من حالة إبعادها من جهة وتسهّل ، من جهة اخرى، مسألة إعادتها الى رحاب الجامعة بقرار يتخذه لاحقاً اجتماع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة بالقاهرة بحيث يصار لاحقاً الى دعوتها للمشاركة في اعمال القمة العربية المزمع عقدها اواخرَ شهر آذار/مارس القادم وفق الإجراءات المتبعة في دعوة الملوك والرؤساء.
قد يقول قائل إن اعتماد هذه المقاربة في دعوة سوريا الى المشاركة في قمة بيروت الاقتصادية تستوجب ، بالضرورة ، وجود حكومة في لبنان مؤلفة بحسب احكام الدستور بعدما تعذر ذلك خلال الأشهر السبعة الماضية.
هذه الحجة منطقية ووجود حكومة دستورية في لبنان استحقاق واجب الوفاء بالسرعة الممكنة . المرجّح ان اقتراب موعد انعقاد القمة العربية الإقتصادية في بيروت يشكّل عامل ضغطٍ على القوى السياسية اللبنانية المتنافرة والمتنافسة يُعجّل في تأليف الحكومة العتيدة نظراً للثمار وللمنافع التي يمكن ان يجنيها لبنان ، كما سائر الدول العربية ، من انعقاد القمة.
قد يقول قائل آخر إن تأليف الحكومة لا يحلّ مشكلة مزمنة هي تردّي العلاقات بين رئيسها سعد الحريري والحكومة السورية ما قد يحول دون قيامه شخصياً بدعوتها الى المشاركة في القمة الإقتصادية.
صحيح ان الرئيس الحريري في خصومة قديمة مع قادة سوريا ، لكنه قد يغتنم هذه المناسبة للقيام بإجراء بروتوكولي لا يسيء الى شخصه ولا الى موقفه السياسي بل يخدم لبنان بما لا يقبل الشك . هذا مع العلم انه بالإمكان تجاوز هذه الإشكالية بأن يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتوجيه الدعوة المطلوبة . ولا أظن ان الحريري سيعترض على اعتماد هذا المخرج.