إذا أردت أن تعرف ماذا في العرب وإقليمهم، عليك أن تعرف ماذا في واشنطن..
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة
عاودت آلة طبع الكذب والفبركات وترويجها لترهيب حلف المقاومة والحطّ من قدراته وانتصاراته إلى سابق عهدها من النشاط المحموم على وقع زيارات مبعوثي واشنطن إلى العرب والمسلمين…
فبين زيارة بومبيو وزير الخارجية وبولتون مستشار الأمن القومي تدور دوائر الترهيب، والتصريحات عن قرب إعلان ناتو عربي – اسرائيلي، وعن تعديل خطة ومواعيد الانسحاب الامريكي من سوريا، وعن مخطط يستهدف التقسيم والتفتيت، وتلزيم التركي سوريا وشرقها، وتلزيم المصري والاماراتي والسعودي مناطق الانسحاب الامريكي…
مصدر إلهام آلة الفبركات الواهمة واحدٌ يكرّر نفسه مرةً بعد مرةٍ، وكلّما لاحت بوادر إعلان النصر السوريّ واضحةً يطلق عفاريته وأكاذيبه، والمقصد القول: إنّ أمريكا قويةٌ و”اسرائيل” قادرةٌ، ونظم المشيخات متمكنةٌ، وكأنّ شيئاً لم يجرِ ولم تحدث تحوّلاتٌ تاريخيةٌ عاصفةٌ على مدى خمسين سنةً من الحروب المستدامة، توّجتها سوريا بانتصاراتٍ تاريخيةٍ غيّرت في العالم وتوازناته، وستغيّر في الاقليم والعرب…
وحقائق الأمور واضحةٌ ومُدركةٌ لمن يعرف أبسط قواعد الحروب ومسارات الأزمنة، ولمن يعاين الواقع معاينةً ميدانيةً ويقرأ فيه كما هو لا كما يتوهّمه.
في وقائع الميدان: أمريكا هُزمت وأقرّت بهزيمتها مرةً بعد أخرى، وفي الحقيقة الجارية أنّ ترامب قرّر حماية أمريكا نفسها والاشتغال بها وأولوياتها، وقرّر أنّه لن ولم يعد شرطيّ العالم أو الشرق، وقالها بفمٍ ملآن: “خسرنا سبعة تريلونات دولار وليس لنا ما نقاتل من أجله في سوريا سوى الغبار والدمار”، في مؤشرٍ إلى أنه لم يعد ولم تعد أمريكا معنيةً بحماية “اسرائيل” أو المشيخات والنظم ما دامت عاجزةً عن الدفع، وفي المعطيات اليومية أنّ القوات الامريكية بدأت الانسحاب وأعلن البنتاغون أنّ الانسحاب جارٍ على قدمٍ وساق ردّاً على الادعاءات بتأخير الانسحاب أو بقاء القوات الامريكية، والشرطة العسكرية الروسية بدأت دورياتها في منبج وعلى طول الحدود، والكرد تصالحوا مع سوريا، ويعود من يرغب منهم إلى الحضن الدافئ، ومن يرفض فله أن يرحل مع الامريكيين وأن يتحوّل الى مجرد شركات مرتزقة وأدوات تخريب كما يجري مع بقايا داعش وحلفاء تركيا، وسيكون مصير النصرة التي اطلقت يدها في ادلب بإسنادٍ من تركيا العاجزة والمرتبكة والمغدورة من الامريكي والتي تحاول مقايضة ضبط الكرد بمقابل المساهمة في استعادة ادلب من النصرة التي سلّمها الامن التركي مناطق سيطرته ونقاط مراقبته ومناطق سيطرة حلفائها وعملائها من مسلّحي الاخوان المسلمين…
لماذا تجوب الوفود الامريكية المنطقة بكثافة؟
الجواب على مستويين: إمّا أنّ إدارة ترامب وتناقضاتها دفعت بهم لمعرفة الأمزجة والوقوف على احتمالات التطورات المستقبلية للوقوف عليها، أو أنّ الصراع في واشنطن بلغ ذروته فدفعت دولة الأمن القومي بالمراسلين والوفود للاستقواء بالحلفاء ضد ترامب ومحاولة إلزامه البقاء في سوريا.
أما القول ببناء ناتو عربي – اسرائيلي في مواجهة إيران أو لحماية “اسرائيل” أو للحلول محل الامريكي في سوريا، فهذه كذبة ذابت في أدراج الريح وليس لها أيّ احتمالٍ أو أفق أو قوى حاملة، علماً أنّه سبق لكوندوليزا رايس أن أنشأت فعلا ناتو عربي – اسرائيلي تحت مسمى دول الاعتدال، وخاضت بهم حرب تموز وحروب غزة وحروب العراق وانتهت صلاحيته.
الحقّ الحقّ أنّ الزمن بات في بيئةٍ مختلفةٍ وتصيغه قوى الميدان المنتصرة، والجواب على الأسئلة التي يجري تسويقها يتحقّق في واشنطن وصراعاتها المحتدمة والمقتربة من أن تصبح حرباً أهليةً ضروساً في الادارات والمؤسسات، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الامريكية ليس هناك ما يمنع أن تندلق في الشوارع وقد تصير شرارتها محاولة انقلاب فاشلة للبنتاغون أو استعجال ترامب انقلابه قسراً ضد دولة الامن القومي ولوبيّاتها..
أمريكا ترامب قررت الانسحاب وبدأته وأعلنت هزيمتها، والأزمة العميقة تضربها في بيتها وفي توازناتها وصراعاتها، والبحث يجب أن يتركز هناك، وأسئلة المستقبل يجب أن تبحث وتتركز في اكتشاف مستقبل “اسرائيل” وعجزها عن الاستمرار، وعن تركيا وانفجارها، والسعودية ومستقبلها المظلم، والاردن المنفجر والمتحوّل إلى مرتع داعش والاخوان، وليس عن سوريا ومستقبلها..