لبنان بين الثقة واللّا ثقة، ومحاولات صناعة الزعامات بموت الرعية..
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة
تابع اللبنانيون والمهتمّون جلسات الثقة لأوّل حكومات البرلمان اللبناني وأوّل حكومات العهد كما يرغب فخامة الرئيس…
بعيداً عن أنّها حكومةٌ ولدت من رحم أزمة طويلة، وبصورة مفاجئة، وكأنّ قراراً صدر بتأليفها بعد تعطيل لم يكن مبررا، في الشهر الثامن من الحمل وليس التاسع، ومولد الثامن يحمل الكثير من المشكلات والازمات.
صولات وجولات النواب، واستعراضاتهم اللفظية غالبا لم تقنع احدا، وبرغم تميز النائب فضل الله وخطابه القريب من الناس وحاجاتهم وما فيه من دلالات عميقة بأنّ الحزب أجاد تكليف قائد حملته للفساد، فالنائب الهادئ أثبت أنّه ملمٌّ بمختلف جوانب ملفه، ورسم أملاً حقيقياً بأنّ الحزب والسيد حسن نصرالله جادّون بما التزموا به في الحملات الانتخابية، وباتوا في صلب المهمة ويعالجونها بتقانة المقاومة وحروبها…
وجاء خطاب النائب جميل السيد لافتاً في جرأته، وفي وضعه الكثير من النقاط على حروف العمل الحكومي والمؤسساتي، وفي معرفته بتفاصيل عمل الاجهزة والمؤسسات ودور الدولة، فهو ابن المؤسسة وسبق لتجربته أن أثبتت قدراته ومنهجيته وجديته.. كما كان للنائب بولا يعقوبيان صولة وجولة موفقة بدءاً من وصولها على دراجة نارية الى امتناعها عن إعطاء الثقة والقضايا التي قاربتها.
سوى ذلك، لا يجد المتابع ما يغريه، وتعود سيرة المجلس وجلساته المنقولة على الهواء الى ما كانت عليه وكأنها برنامج تلفزيون مباشر ليقول كل نائب ما في جعبته ويخاطب جمهوره لتلميع نفسه أو حزبه أو الزعيم الذي أوصله…
ستنال الحكومة الثقة، برغم أنّ الشارع وبعض قواه حاولوا التعبير عن رأيٍ يقول “لا ثقة” لكنّ رأي الشعب لم يدرج على جدول أعمال النواب والمؤسسات، وقد صودر في تعليب الطوائف والمذاهب وتلزيمها دولة كونفدرالية بالدستور، ثم صادق على أبشع ما في الكونفدراليات بالقانون الانتخابي المشغول بخديعة لفظية تحت مسمى القوائم، والنسبية قيّدها الصوت التفضيلي، بما جعله قانون الدائرة الصغرى، والصوت الفردي، وقد أنتج عجائب الزمن بنوابٍ يصلون الى الندوة ببضعة أصوات وبعجائبية!…
غير أنّ الصاعقة اللافتة، والبروباغندا القاتلة التي شهدتها الأروقة جاءت من شابٍّ وريثٍ لحزبٍ ولعائلة، ولبيتٍ سياسيّ، ولرئيس جمهورية.
فقد أتقن النائب الجميل لعبة قديمة في لغته ولغة جسده، وأتمّها في ما كان محضّرا في “حارته” لحشدٍ شبابيّ في محاولة استدراج صراع على الماضي والعودة الى عناصره ورموزه ومأساته، غير عارفٍ أو غير آبهٍ بما آلت إليه الامور من خبرات وتجارب وتوازن قوى ومتغيرات جوهرية…
النائب الجميّل يحنّ الى سيرة الحرب الاهلية، والى السلاح، والعنتريات، واستدرار العطف وتحريك الغرائز، واللافت أنّ هذا الامر والحالة جديدة عليه وعلى تجربته، فهو نائب منذ تسعة سنوات ولم يُسمع صوته من قبل.
ففي الامر جديد استوجب هذه اللغة، وهذا التحشيد لشدّ العصب، وعند البحث والتبصّر، لا نرى ما يشير الى انقلابه لجانب الشعب وحاجاته، على عكس ابن عمه، النائب سامي الجميّل، وحزب الكتائب الذي طُرد من جنة الحكومات فعاد الى خطاب الشعب والنفايات ومصالح الناس..
إذاً: السبب يكمن في الصراع الملتهب في حزب الكتائب، وبين أبناء العمومة، واللغة الطائفية والاستنجاد بالماضي التي درج عليها أترابه من قبل، ويبدو أنّه راق للنائب وافترض انه قادرٌ به على شدّ عصبه، وتشكيل كتلة شعبية، ليبتزّ به ابن عمه، ويجاري القوات اللبنانية والتيار الباسيلي…
ربما كلهم لم يدركوا بعد أنّ الزمن تغير وان الكتلة المسيحية لم تعد ترى في السلاح طريقها للبقاء، او فرض اجندة تخدم أسرها الوارثة، وزعماءها الخالدين في اضطهادها والمتاجرة بها للتمكن من المحاصصة والافساد.
كل من يحاول نبش الماضي في زمن جديد ومتغير يرتكب خطأً قاتلاً، والخطأ إن لم يرتدّ عليه فبالضرورة يصيب القاعدة الاجتماعية ويصيب المسيحيين بمقتل، فقد يلقى ترحيبا مؤقتا، ومن مجموعات شبابية محدودة الفعل والتأثير، لكنه لن يبني زعامة على جماجم الناس مرة ثانية وثالثة..
والمعطيات كثيرة تؤكد ما ذهبنا إليه، فوصوله للندوة البرلمانية لم يكن بسبب حجم شعبيته بقدر ما كان بسبب القانون وأخطاء المرشحين الآخرين وقوى إسنادهم، فبينه وبين الخاسر بضعة عشرات من الاصوات، لو لم يحسن الاستفادة منها لكان كغيره جالسا في منزله أو استوطن احدى العواصم للتنعّم بما لديه…
وشاهد الاشرفية حيث كان التحشيد والشعارات الصبيانية والعنترية، وجمهورها الحيوي في رفض منطقه وأشباهه، أنها أطلقت التمردات والحركات وأنتجت الانتخابات البلدية ومن ثم النيابية، وبرغم القانون الجائر جاء بنواب من خارج النسق كنائب الدراجة النارية والحيوية المتقدة…
النصيحة لمن يرغب بالنصح، إنّ البلاد والمنطقة لم تعد تحتمل عنترياتٍ كلاميةً وصراخاً في برّية الماضي واستحضار الحروب والفتن، وبناء زعامات مذهبية على الدمار والجماجم، فالمخاطر كبيرة وكثيرة ولبنان في دائرتها، ومن غيرالمقبول كلّما اختلف أبناء العمومة أو زعامات وارثة أو ساعون الى الزعامة والوراثة، أن يحاولوا توتير الشارع والحياة السياسية وإطلاق الكلام الجزاف وخوض الحروب الكلامية في بلد وعلى شعب ذاق الأمرّين، ويعيش مرارة الحياة ويفتقد الى أبسط الحاجات والحقوق، ونذر الانهيارات تدقّ الابواب بلا مجيب.