العراق من منصة تفاهماتٍ وتوتراتٍ إلى لاعبٍ وسيطٍ بين السعودية وإيران… هل ينجح؟؟
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة
تكبّد العراق وشعبه أكبر خسائر القرن، بل القرون والحروب، فابتُليَ بالاحتلال الذي دمّره وأشعل فيه الحروب الطائفية والمذهبية، وتسبّب بتحويله الى أضعف حلقات العرب، فزادت ديون العراق بلد النفط والماء أكثر من نصف تريليون دولار، وجفّت أنهاره، وسُمّم سمكه، وابتلي العراقيون بشتى الامراض وأخطرها، وتحوّل العراقيون الى لاجئين بلا مأوىً في وطنهم يعانون شظف الحياة وأسوأ شروطها، ولخمس عشرة سنةً لم يشهد أيّ عملية بناءٍ أو تقدّمٍ أو تطويرٍ في أيٍّ من قطاعاته سوى الصراعات السياسية وإنتاج الدواعش وقوى الارهاب والتطرف، ومخلفات الاحتلال الهمجي من الفقر والفساد وملايين اطفال الشوارع بلا معيل، وملايين الأرامل…
كان العراق أوّل ما كانت الانسانية والحضارات، وأنتج أعرقها وأكثرها قوّةً وتقدّماً، حوّله الاحتلال وأدواته الى صحراء قاحلة، وباتت مدنه مقفرةً وشعبه بلا أدنى مستوى من الخدمات، وهو ذاته الذي تفوق من قبل في الخدمات وشبكات الامان الاجتماعي والتقديمات للقطاعات التعليمية والصحية والتربية الحيوانية والزراعية وتأمين الطاقة النفطية والكهربائية بشبه مجانية…
العراق بالعمليات السياسية والتسويات المرعية من الاحتلال تحوّل من ان يكون أحد أكثر البلدان العربية والاسلامية تعايشا وتنوعا، الى الإحتراب الطائفي والتهجير والعبودية وبيع النساء والغلمان في اسواق النخاسة، وما زال تحت الهيمنة والسيطرة بل والاحتلال العسكري المباشر بذريعة التحالف الدولي لمقاتلة داعش الذي صنعه الامريكي نفسه.
العراق الذي شهد اضطرابات منذ 2014 وحراكاً شعبياً ضد الفساد والتحاصص والافقار، وكادت مدنه الجنوبية تنفجر بحروب الاخوة والمذهب الواحد، أنجز انتخاباته النيابية وأنتج مجلسا غير منسجم وتتباين تياراته ولم ينجو من الخطر إلّا بدورٍ نوعيٍّ لقائد فيلق القدس الذي أمّن استقرارا وتوافقا على رئيس حكومة وتشكيل الحكومة التي ما زالت ناقصة…
وهو على هذه الشاكلة وبينما تتهدّده إجراءات ترامب وتصنيف الحرس الثوري الايراني منظمةً ارهابيةً ما قد ينتج تصادما واحتكاكات عسكرية بين ايران وأذرعها والامريكي وقواعده وادواته، بدأ حراكا انفتاحيّاً لافتا على بيئته العربية، فجرت تطورات لافته بعد اعلان ترامب الانسحاب من سورية وحملة الموفدين والتهديدات التي أُطلقت في وجه الانفتاح العربي والاوروبي على سورية، فجأةً يزور الرئيس المصري عمان ومن الفور يذهب الملك الاردني الى بغداد، ثم تكرّ السبحة ويتحول العراق الى مقصد السعودية والامارات، وتتسارع محاولات الانفتاح عليه من مصر والاردن والسعودية واخواتها وتعقد قمة في القاهرة تجمع رئيس الوزراء العراقي مع الرئيس المصري والملك الاردني على وقع تسارع وتكثيف زيارات المسؤولين الإيرانيين لبغداد وتوقيع العقود المجزية وعلى وقع انعقاد قمة رؤساء أركان جيوش المقاومة الثلاثة في سورية، ويتوّج الجهد بزيارة لرئيس الوزراء العراقي الى طهران وتوقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية النوعية، ويتقرر زيادة التبادلات التجارية الى ارقام كبيرة، بينما تعلن السعودية تقديم هبات وانفتاحا اقتصاديا وربطا كهربائيا…
في هذه التطورات يكمن سرٌّ لم يتمّ التعاطي معه اعلاميا إلّا عبر تسريباتٍ عن دورٍ مرموقٍ للعراق يتحقق الان، ليصبح منصة التقارب والتقاطعات وليلعب العراق ورئيس حكومته المشهود له بالتحرك الحيوي والادراك لما هي عليه حاله وحال العرب والاقليم ويعلن انه يلعب دورا في تامين منصات وقضايا تفاوض مصرية سعودية اردنية مع إيران، وقطعا ليس لبنان وسوريا بعيدين عن الجاري وعند الدور المنوط بالعراق لهذه الجهة.
يمكن تلمّس بعض ما يجري في تكثيف الزيارات وتطوير العلاقات والسعي لاستعادة ولعودة العراق ليلعب دورا محوريا في اعادة ضبط ساعة الاقليم وتحولاته وانتاج جديد من التفاهمات…
ترامب منسحب من سوريا، ونتنياهو مأزوم، ومشروعات التسوية والتطبيع فشلت، واحتراب العرب والمسلمين واستنزاف القوى والطاقات تحت عناوين طائفية او مذهبية او جهوية تتراجع بمعدلات كبيرة، والتحول الى الحوار والبحث عن المشتركات يتقدم، وفي هذا يمكن للعراق ان يستعيد نفسه وان يعلب دورا محوريا وفي مقدمة الظروف المطلوب توفيرها ان يحسم امره ويطرد الامريكي ليصبح حرا ويعود الى ما كانه من منصّة حوارٍ وتفاعلٍ بين أمم وشعوب ودول الاقليم قلب العالم… فهل يفعلها العراق…؟؟