أيُّ عرب.. وأيُّ لغة؟!
كانت النظرة إلى موقف سلطنة عُمان تميل إلى الاعتقاد بأنها خطت دوراً تمايز بعض الشيء عن الآخرين، بما في ذلك مثيلاتها في مجلس التعاون الخليجي، وبناء على هذا المعطى، تمكنت السلطنة من أن تراكم – وبالتجربة – الكثير من المواقف لمصلحة تلك النظرة.
لكن.. فجأةً تخلت مسقط عن كل ما تراكم في تعاطيها السياسي، وتنازلت عما حققته دبلوماسيتها لمصلحة الانفتاح على الكيان الإسرائيلي، التي توجتها زيارة نتنياهو، والاستقبال الحار من السلطان قابوس، لتخلط الأوراق، وتثير العشرات من الأسئلة الصعبة عن أبعاد وأهداف وغايات هذه الخطوة التي تلتها مجموعة مواقف أكثر إثارةً، وأضافت المزيد من الأسئلة بدل الإجابة عنها.
واكتمل المشهد بدعوة وزير الخارجية العماني الدول العربية بإجراءات تطمئن إسرائيل، وطالب من خلالها بما هو أكثر من الطمأنينة، مضيفاً مزيداً من اللغط السياسي والدبلوماسي على المشهد المعقد داخل المنطقة وخارجها، والدور الذي ذهبت السلطنة إلى تقمّصه عنوةً عن تاريخها وإرثها المتراكم في الدبلوماسية المعقدة، التي قطعت بها شوطاً تجاوز المنحى الإقليمي ليصل إلى العالمية.
فمن الواضح أنَّ هذا الانقلاب يُفقد عُمان أهم أدوارها الوظيفية التي بنت من خلالها إرثاً كانت تحاجج فيه، والأوضح أنه يشكل نكوصاً في المقاربة التي بنتها الدبلوماسية العمانية على مدى عقود، حيث المبررات والمسوغات التي تبنتها تبدو متناقضة مع ذاتها.
لسنا بوارد الأخذ بما يروج عن ميناء الدقم والحضور الأميركي فيه، وما يحمله من تداعيات، لكن ثمة ضرورة تقتضي طرح السؤال: أيُّ الدول التي أرادها الوزير بن علوي أن تقوم بتلك الإجراءات، وعن أي عرب يتحدث؟!
في السياق بدت الإجابة عن تلك الأسئلة محمولة بالفهم الفعلي للدور العماني في المرحلة السابقة، التي شكلت انقلاباً في الشكل والمضمون، تقتضي في الحدّ الأدنى النظر في خلفيات الموقف، والدور الذي تريد أن تلعبه السلطنة في ظل الوضع الجديد لترتيب العلاقة داخل المنطقة وخارجها.
إذا كان يقصد بهم الجامعة العربية، فقد فقدت ما يؤهلها لذلك، وإذا كان يقصد الدول العربية، فلم تبقَ دول تتوافق على هذه الصفة، وإن كان يلمّح إلى تلك التي صادرت الجامعة، وهتكت الهوية العربية، فإنه لا يحتاج إلى الطلب، فقد بادرت وبالغت في مبادرتها، وقدمت كل الإجراءات التي بمقدورها أن تتبناها، ولم تتمكن من زرع الطمأنينة في نفوس الإسرائيليين..!!
العادة جرت أن يُطمئن القوي الضعيف، فمادامت إسرائيل تمتلك تلك القوة السياسية والعسكرية وقوة الدعم الغربي من وجهة نظره التي نعارضه فيها إلى حدِّ النقيض، فما حاجتها إلى ذلك؟
لا نريد أن نطلق توصيفات على المشهد والمنطق الأعوج والمختل، الذي يقارب به المسألة، لكن أقل ما يقال فيه: إنه خروج عن السياق الذي اعتدنا أن نجد فيه عُمان.
فاللسان الذي نطق به لم يكن يشبه عُمان في شيء، وخيرٌ أنه تكلم باللغة الإنكليزية، لأننا لا نريد أن نصدّق أنَّ ما نطق به كان باللغة العربية، ولا نتمنى أن يكون كذلك في يوم من الأيام.
ما كنا ننتظره من عُمان غير الذي ذهب إليه وزير خارجيتها، وما كنا نتطلع إليه أن يستثمر ما راكمه من إرث دبلوماسي في خدمة القضية العربية، وليس في مكان آخر، يُفهم منه خدمة إسرائيل، ويشتمُّ منه تسويغ عدوانيتها، وتسويق عوامل قوتها الواهية، التي نرى فيها وهماً بددته إرادة المؤمنين والمتمسكين بقضيتهم.
بقلم: علي قاسم