لماذا عاقبت كبرى مدن تركيا اردوغان؟
حسن الزين
كأحجار الدومينو سقطت اسطنبول وانقرة وازمير اهم مدن وبلديات تركيا الكبرى من يد “السلطان” اردوغان، وهي التي تعد قلاع حزب العدالة والتنمية، حصل ذلك في عز إحكام اردوغان يده على مقاليد السلطة بعد تحويله النظام المؤسساتي الدستوري من نظام برلماني الى رئاسي، وبات السؤال مشرعا على بحث مستقبل اردوغان ومشروعه السياسي بعد ظهور نتائج الانتخابات البلدية 2019 التي شارك فيها 86.9% من الناخبين الاتراك.
اهمية الانتخابات تأتي من انها الاولى بلدياً بعد اقرار التحول نحو النظام الرئاسي، وهي الاستحقاق الانتخابي الاقرب الى الانتخابات العامة التي حصلت عام 2018 وفاز فيها حزب اردوغان باغلبية كبيرة، والابعد في المدى المنظور، عن موعد الانتخابات العامة القادمة عام 2022 ، والعام 2023 موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقد اجمع خبراء الشان التركي ان الخسارة الكبرى لحزب العدالة والتنمية الحاكم حصلت في بلدية اسطنبول باعتبارها مهد انطلاق زعامة رجب طيب اردوغان ومشروعه السلطاني وطموحه العثماني- رغم احتفاظه برئاسة معظم الأقضية في إسطنبول – وهو الذي تبنّى في الحملات الانتخابية مقولة إن اسطنبول صورة مصغّرة لتركيا وإن الذي يفوز فيها يفوز في كامل البلاد.
اكتساح المعارضة للمدن الكبرى والسواحل التركية
ازدادت أهمية انتخابات الأحد بانتصار «الشعب الجمهوري»، ليس فقط في إسطنبول وأنقرة، بل أيضاً في 18 ولاية أخرى، ومنها أنطاليا وأضنة ومرسين وإزمير وهاتاي، وهي جميعها ولايات مهمة جداً لإمكانياتها الصناعية والتجارية والسياحية والاجتماعية والثقافية، التي لا يمكن مقارنتها بالولايات التي انتصر فيها «العدالة والتنمية» أو حليفه «الحركة القومية».
لكن انتصار «الشعب الجمهوري» في إسطنبول وأنطاليا وأضنة ومرسين وهاتاي واسكي شهير وجانا قلعة جاء بفضل دعم حزب «الشعوب الديمقراطي»، الذي سبق له أن حصل على حوالى 12% من أصوات الناخبين في إسطنبول في انتخابات حزيران/ يونيو الماضي، في مقابل 24% لـ«الشعب الجمهوري»، و8% لـ«الحزب الجيد»، حليف «الشعب الجمهوري».
عودة الحزب الشيوعي التركي بعد 100 عام
المفاجأة المثيرة في الانتخابات، كانت في فوز مرشح «الحزب الشيوعي» الذي كان ممنوعاً منذ قيام الجمهورية التركية عام 1923 في مدينة تونجلي ذات الأغلبية الكردية وسط الأناضول، متفوقاً على منافسيه من باقي الأحزاب، وهو ما لم يكن في الحسبان حتى في استطلاعات الرأي.
اختراقات اردوغان حصلت في المناطق الكردية
فيما انحصرت اختراقات «العدالة والتنمية» الجديدة في انتزاع الفوز في مدن ذات أغلبية كردية على حساب «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، حيث استطاع «العدالة والتنمية» انتزاع بلديات كل من شيرناق وبتليس وآغري وموش، للمرة الأولى، وهو ما يضع «الشعوب» أمام تحدّ، رغم ان البعض يعتقد ان حملة القمع التي تعرض لها حزب الشعوب الكردي، قد تفسر اسباب اختراق اردوغان للمناطقة الكردية مقابل تراجع حزب الشعوب المتهم بدعم المنظمات الكردية المتهمة رسميا بالارهاب .
تحليل وقراءة النتائج الانتخابية
يتضح من النتائج ان حزب اردوغان حصل على 16 بلدية كبرى و24 بلدية مدينة و538 من بلديات الأقضية، و200 بلدة تركية، حافظ عدديا ورقمياً على قاعدته الشعبية ولا يزال يتَصَدّر الأرقام التصويتية، لكنه فقد السيطرة نوعياً على المعاقل الانتخابية المدينية والساحلية ذات الاهمية الاقتصادية والسياحية، وهذا معطى يحتاج الى دراسة في خارطة الجغرافية الانتخابية والسياسية التركية، لاجل الحصول على تفسير علمي لاسباب انقلاب مزاج المدن التركية واحتفاظ اردوغان بالارياف والاقضية والمناطق الكردية ذات الطابع المحافظ، وهو ما يؤشر الى دخول العامل الاقتصادي والسياسي على خط النتائج.
وطبقاً للنتائج الرسمية غير النهائية التي أعلنها رئيس الهيئة العليا للانتخابات، حصل إمام أوغلو مرشح المعارضة لرئاسة اسطنبول على 4 ملايين و159 ألفاً و650 صوتاً، مقابل حصول يلدريم على 4 ملايين و131 ألفاً و761 صوتاً، بفارق 27 ألفاً و889 صوتاً فقط.
وقد ركز حزب اردوغان على التشكيك بمعطيات الحساب التقني بما يعكس عدم تقبله لـ ( صدمة اسطنبول) لناحية اثارة قضية عدد الأصوات الباطلة التي تمت المطالبة بإعادة فرزها والتي تبلغ 10 أضعاف الفارق بينه وبين منافسه (319.558 صوتاً) وفق مصادر حزب العدالة والتنمية في اسطنبول، وقال نائب رئيس الحزب، علي إحسان ياووز أن 17 ألفاً و410 أصوات فرزت من 309 صناديق في مدينة اسطنبول، سُجّلت في خانة أحزاب أخرى، مؤكداً أن الحزب يثق بالبيانات التي لديه، والتي تشير إلى فوز مرشحه بن علي يلدريم.
الصحافي التركي باتوهان تاكيش، أرجع هزيمة الحزب في أنقرة واسطنبول إلى إخفاق الحزب في تقديم مرشحيه للشعب بشكل جيد، وعدم تركيزه على الوعود الانتخابية والمشروعات التي سيقوم بتنفيذها، وتفضيله الحديث عن موضوعات وقضايا يومية خلال حملاته الانتخابية، إضافة إلى أخطاء في اختيار المرشحين عن الحزب في البلديات الكبرى، ما سبّب حالة من عزوف الناخبين عن التصويت لهم.
فشل تكتيك اردوغان في شيطنة الخصوم
بذل اردوغان مجهوداً كبيراً في الحملة الانتخابية، وخصوصاً في اسطنبول، إلا أنه وقع في خطأ التركيز على شيطنة معارضيه والتقليل من شأنهم، ومهاجمة «تحالف الأمة» (بين «الشعب الجمهوري» و«الحزب الجيد») بدلاً من التركيز على مشروعات ووعود انتخابية واقتصادية حقيقية، وهو ما أدى إلى نتيجة عكسية دفعت الناخبين إلى التصويت لمنافسي «العدالة والتنمية» في المدن الكبرى.
ويرى سنان أوزتورك، وهو صحافي تركي أيضاً، ان «العدالة والتنمية»، وإن كان قد حقق الانتصار في الانتخابات، إلا أن هذا الانتصار كلّفه ثمناً باهظاً «ما يجعله نصراً بطعم الهزيمة». ويعتقد ازتورك أن الناخب التركي لم يقتنع بفكرة أن الانتخابات هي «قضية بقاء» للوطن، وأن المدن الكبرى عاقبت الحزب بسبب تردي الحالة الاقتصادية.
وحدة احزاب المعارضة احد اسباب هزيمة اردوغان
سلطوية اردوغان وخطابه السياسي الحاد، فضلاً عن تهميشه للمعارضة والسيطرة على الاغلبية الساحقة من وسائل الاعلام، اضافة الى إضعاف البرلمان ودوره في العملية السياسية بعد عملية تحول من النظام البرلماني الذي كان سائدا منذ العام 1923 باتجاه النظام الرئاسي دفعت قوى المعارضة اليسارية والعلمانية الى الكتل والتوحد ضده، بعد حالة تشرذم سادت في الانتخابات العامة.
الباحث والصحافي التركي الشهير حسن محلي يرى ان اردوغان خسر اسطنبول نتيجة وحدة المعارضة بعد 25 عاماً على الانتخابات التي جرت في 29 آذار/ مارس 1994 وحقق فيها انتصاره الأول .
ويرى محلي ان فشل المعارضة سابقا وخاصة أحزاب اليسار الثلاثة في الاتفاق على مرشح مشترك، مكنت اردوغان من رئاسة بلدية إسطنبول رغم حصوله انذاك على 25٪ فقط من الأصوات عام 1994.
اليوم هُزم أردوغان في المدينة نفسها، وأمام مرشح «الشعب الجمهوري» أكرم إمام أوغلو، المدعوم من «الحزب الجيّد». كنتيجة لهيمنة اردوغان على الحياة السياسية التركية، ما دفعها الى التوحد خلف راية مشتركة لمعاقبة اردوغان.
اردوغان يحمل النظام الدعائي مسؤولية الخسارة
وقد حمل “أردوغان”، في كلمة له من مقر حزب “العدالة والتنمية” في العاصمة أنقرة، نظام الدعاية الخاطئ مسوؤلية عدم حصول حزبه على الننائج المرجوة في بعض البلديات، متابعا: “سنجري تقييما شاملا”.
وتقول المعارضة التركية إن تقليص الدعم الشعبي لـ”أردوغان” سوف يمثل بداية لنهاية حكمه التي دامت 16 عام، والذي قام في عام 2017 بتغيير الإطار السياسي لتركيا وتحويلها من النظام البرلماني إلى الرئاسي. في حين يرى خبراء ان ردوغان لديه خبرة في تحويل الانتكاسات الى ديناميات تصحيح تعيده الى الواجهة بقوة.
تراجع الليرة التركية ونتائج الانتخابات البلدية
وفق الارقام الاقتصادية السابقة على الانتخابات تعيش تركيا حالة تضخم وصلت الى 20% في ظل تراجع وهبوط سعر صرف الليرة التركية بواقع الثلث، وهو ما ادى الى حالات افلاس لعدد من الشركات التركية الكبرى، وارتفاع هائل في اسعار الخضراوات والفاكهة وسلع اساسية، وهو ما ادى وفق بعض المحللين الى تدني معنويات تيار وحزب اردوغان وقاعدته التصويتية.
ومما لا شك فيه ان تدهور سعر صرف الليرة ساهم في توجيه مزاج الناخب التركي، وخاصة ناخبي اسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا، وهو ما عكسته تقارير مراكز دراسات قبل الانتخابات باسابيع .
وكانت صحيفة فايننشيال تايمز الاميركية قد توقعت تاثيرا حاسماً للعامل الاقتصادي والنقدي في توجيه دفة النتائج قبل ايام من الانتخابات، وهو ما عكسته فعلا النتائج البلدية يوم الاحد الفائت.
وقد ربطت الصحيفة بين مصداقية اردوغان وصورته من جهة وبين تراجع وتدهور العملة وتاثير ذلك في النتائج الانتخابية، مراهنة على خسارة اردوغان المدن الكبرى ذات النشاط الاقتصادي.
وفي اشارة ضمنية الى اهمية العامل الاقتصادي وتراجع الليرة التركية في الانتخابات البلدية، تعهد اردوغان بعد صدور النتائج بان تركز تركيا من الآن وحتى الانتخابات العام عام 2023 على الاصلاحات الاقتصادية، وقال للصحافيين “امامنا مدة طويلة يمكننا فيها تنفيذ اصلاحات اقتصادية دون التهاون في قواعد السوق” .
تفوق كاريزما اكرم امام اوغلو على ضعف بن علي يلدريم
يرى البعض ان مرشح المعارضة التركية لبلدية اسطنبول اكرم امام اوغلو وهو السياسي التركي الجديد والشاب نسبيا تفوق بفضل حيوية صورته على بن علي يلدريم رئيس الحكومة التركية السابق واحد اهم اركان واعمدة حزب العدالة والتنمية.
واشار البعض الى ان اكرم امام اوغلو عضو حزب الشعب الجمهوري الذي ينحدر من اسرة تركية محافظة ومتدينة، اظهر احترامه للمراسم الدينية التي تجذب عادة الناخب المحافظ في اسطنبول، وقد شوهد يقرأ الآيات القرانية، وشارك في حضور الصلوات والجنائز والمناسبات الدينية، وهذا السلوك يخالف التقاليد العلمانية المتشددة لدى حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي اليه، وهو ما ساعد في نجاحه الانتخابي في اسطنبول.
المصدر: موقع المنار