تركيا بؤرة الاهتمام فأيّ مساراتٍ تختار؟
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
احتلت تركيا منصةً مؤثرةً في الاقليم وأحداثه، والاقليم على مدى عقدين من القرن الجاري كان محور الاحداث والتطورات وميزان التحولات..
بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة والتفرّد بها، أصبح النموذج التركي المسمّى “إسلاماً معتدلاً” سائداً، وجرى كثير من التنظير والتلميع له. كما وفّر التحول الى الشرق من بوابة سوريا والعرب فرصةً ذهبيةً لصعود نجم تركيا ومُنظّرها لصفر مشاكل “داوود أوغلو” وأمّن لها تفعيل بيئاتها الاستراتيجية الحاضنة، كما أسهم في صعودها السياسي والاقتصادي، وتمتين النفوذ، فجاء “الربيع العربي” وأصبحت تركيا عنصراً محركاً أساسياً من ليبيا الى السودان وسوريا والعراق وما بينهم، واشتبكت، وما زالت، مع مصر مع إقصاء الإخوان المسلمين وتسلّم العسكر للسلطة، وشكّلت حاضنةً للمسلحين والإسلامويين وزجّتهم في الأزمات، وهددت روسيا والصين والجمهوريات الآسيوية، واحتضنت قطر في اشتباكها مع الرباعية المصرية – الخليجية.
وبفعل التطورات العاصفة التي شهدها الاقليم وتحولات العالم، وفي أصلها الحرب العالمية العظمى في سوريا وتحولاتها النوعية وانقلاباتها وموازين القوى، لم يبقَ لتركيا من صديق أو حليف، وعادت الى حالتها “صفر علاقات”، واشتبكت مع الجميع، وكادت العلاقات مع إيران تتوتر مرّاتٍ لولا الحاجات الايرانية وقدرة القيادة الايرانية على تدوير الزوايا والمعالجات بالحسنى والحوار…
الموجة العربية الثالثة الجارية في وادي النيل وافريقيا وإمساك الجيوش بناصية التطورات والدور المحوري لمصر وحلفها الخليجي بات يقلق أنقرة، ويزيد في العزلة والمأزق، وجاءت نتائج الانتخابات البلدية تصبّ زيتا على جمر نارٍ تعتمل تحت السطح في بنية تركيا وتوازناتها الداخلية، إضافةً الى الاشتباك شبه المستمر بين أردوغان وترامب والمرشح للتصاعد بمعدلات أسرع وأعمق…
وفي تطوّرٍ يصفه المتابعون بالنوعيّ، جاء إعلان داوود أوغلو معارضة رفيق دربه أردوغان، واتهامه شخصيا وبسبب سياساته وتحالفاته بأنه المسؤول عما آلت إليه تركيا وأزماتها، معطوفاً على دخول الليرة والاقتصاد أزمةً تنذر عواملها واستمرارها منذ أكثر من سنة دون أن تظهر أيّة مؤشراتٍ على الجدّية والقدرة على مواجهتها، عناصر ومؤشرات تدفع بالكثير من المتابعين للدعوة الى وضع تركيا تحت مجهر المراقبة الدائمة واللصيقة، وتقول إنّ كل الطرق وكل المعطيات تفيد بأنّ الجولة الاقليمية من العاصفة النارية التي أشعلت في العرب تقترب شرارتها كثيرا من برميل بارود تركيا ومن حقلٍ تيبّس وقد يشتعل في أي وقت.
وبنظرةٍ سريعةٍ يمكن التأكّد من أنّ حزب العدالة والتنمية المتراجع دوره وشعبيته في تركيا، وما شهدته المعارضة من تفاهمات وإدراك وتقانة في إدارة الانتخابات البلدية، معطوفا على ظهور مؤشرات تفكك حزب العدالة وتجرؤ أقطابه على إعلان مواقف متعارضة مع الرئيس وسياساته ودنوّ لحظة اشتباكٍ أمريكي – تركي لأسباب جوهرية من غير الممكن تجاوزها بالتفاهمات كالتزام تركيا بشراء صواريخ اس 400 ووقف امريكا تسليم طائرات اف 35، ودورها والرئيس أردوغان شخصيا في أزمة الخاشقجي التي أربكت ترامب، واقتراب موعد 2 ايار وتمنّع امريكا عن السماح لتركيا والاخرين بشراء النفط الايراني او التعاملات الاقتصادية معها لتجتمع استحقاقات زمنية وتتقاطع مع بيئة وعناصر أزمات لا قدرة لتركيا على معالجتها او مجاوزتها، وقد نفذت فرص الانقلاب السياسي والتحول من التحالف مع الغرب وشراكة الناتو والتخلي عن الاخوان المسلمين والقاعدة وداعش… وجميعها عناصر قادرة على الاخلال بتوازنات تركيا واستقرارها إن حصلت… فقد فات زمن اللعب على التناقضات والانقلابات الجدّية، ولم يعد من وقت لوضع “رجل بالفلاحة ورجل بالبور”.
الزمن سيقول كلمته وما أعدّته تركيا لسوريا من تفكيك وفوضى واحتراب ينقلب عليها، والقاعدة: “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها” و”طابخ السم آكله”.