هضبة الجولان.. تؤكد أن العالم ليس أمريكا
د.جمال زهران
تبلغ مساحة هضبة الجولان (1860) كم2، وبمتوسط ارتفاع نحو (1000) متر، وتقع جنوب لبنان، وهى جزء من الجنوب السوري، وتفصلها عن دمشق العاصمة السورية نحو (60) ك.م (أى نحو نصف ساعة بالسيارة). احتلتها إسرائيل فى حرب 1967م، مع سيناء فى ذات الوقت. وأعلن التليفزيون الإسرائيلى صباح العاشر من يونيو (حزيران) 1967، أن الهضبة السورية فى أيادينا، أى أنها أصبحت محتلة وتحت السيطرة الإسرائيلية!! كما لا ننسى أن الكنيست الإسرائيلى كان قد أصدر قرارًا بضم هضبة الجولان إلى إسرائيل فى عام 1981م.
وعقب قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، ووضع حجر الأساس فى احتفالية فى ذكرى النكبة فى 14 مايو 2018م، ارتفعت الأصوات الإسرائيلية بضرورة إصدار قرار مماثل بضم هضبة الجولان، إلى إسرائيل. واشتعل اللوبى الصهيونى داخل الكونجرس الأمريكي، بإعداد المسرح وممارسة الضغوط على الرئيس ترامب، لإصدار هذا القرار!. إلى أن صدر قرار ترامب أخيرا فى مارس 2019م، باعتبار أن هضبة الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وأعلن الاعتراف الأمريكى الصريح بذلك. ومن عجب أن يتم التمويه على هذا القرار، لتجاوز ردود الأفعال السلبية، باحتمال صدور قرار أمريكى ثالث (مثل القدس والجولان)، باعتبار أن الضفة الغربية، تحت السيادة الإسرائيلية، وتهجير سكانها تدريجيًا إلى أراض أردنية، فى إطار ما يعرف بـ «صفقة القرن».
ولا شك أن هذه القرارات من نوعية القرارات السياسية الهلامية، منعدمة القيمة المادية والمعنوية، وهى لا تضفى شرعية على احتلال قائم، والدليل على ذلك الرفض الواسع من شركاء أمريكا فى أوروبا وتوابعهم فى المنطقة العربية والشرق الأوسط. فلم يثبت أن هناك دولة واحدة سارت فى المنحى الأمريكي. فالرئيس الأمريكى يملك بناء جدار على الحدود مع المكسيك، رغم الرفض الشعبى من الجانبين (أمريكا المكسيك)، لكنه لا يملك فرض قراراته على شعب المكسيك، لأنه فى النهاية له أن يتصرف فيما هو يملكه! ولم تعد قرارات وعد بلفور (1917)، الإنجليزى الذى أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وهو ذلك الكيان الصهيونى الذى خطط له بأن يكون شوكة أبدية فى ظهر العرب، لا يستطيعون أبدًا تحقيق وحدتهم شرقًا وغربًا، ولا يستقيم عمودهم الفقرى دومًا. وهم بذلك يصرون على فرض الأمر الواقع ومغازلة اليهود بأن كيانهم الصهيونى المسمى بإسرائيل، يتحقق تدريجيًا من النيل إلى الفرات، وأرى أن ذلك وهم يعيشون فيه، وسط مقاومة شرسة فى الداخل وفى الإقليم كله ضد الغطرسة الإسرائيلية والأمريكية.
كما أنه على الجانب الآخر أراد ترامب، بهذه القرارات (القدس ـ الجولان)، أن يقول لمنافسيه الجدد فى قمة النظام العالمي، إن أمريكا هى صاحبة القرار العالمي، وتصدر ما تشاء دون أن يستطيع أحد ردها عما تقرره، ويكاد الرئيس الأمريكى يصدق نفسه بأن ما يصدره من قرارات هى حقيقة على الأرض، وأنه يستطيع أن يخلق شرعية من عدم. فماذا كانت النتيجة؟
إن القرار مثل سابقه من قرارى القدس، باعتبار أن الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، مثل العدم سواء، وأنه لا سند له من شرعية، وتصور ترامب، أنه قادر على صياغة وعد ترامب، مثل وعد بلفور!! كما أن الرفض العالمى سواء من الأمم المتحدة وبيان الأمين العام، كان واضحًا، وبيان الجامعة العربية، ودول العالم الكبرى فى الغرب والشرق، كان كاشفًا عن أكذوبة هذه القرارات التى لا تتعدى مجرد فرقعة إعلامية لا أكثر.
كذلك لا يزال الأمريكيون يعيشون مع ترامب، وهمًا بأن أمريكا هى القوة الوحيدة، ولا يدركون حقيقة التغيرات الجذرية فى النظام العالمى بدخول روسيا والصين منافسين ندين. ويكفى للتأكيد على ذلك إرسالهم قوات فعلية إلى فنزويلا لحمايتها من هجوم متوقع من أمريكا المتعجرفة. ولقد باتوا يهددون أمريكا فى عقر دارها على مقربة من حدودها فى أمريكا اللاتينية. أنها تعيش الوهم وستدفع الثمن غاليًا، وهى فى غيبوبة!. أما الجولان وشعبه العربى الأصيل، يثبت أن أمريكا ليست القوة التى تمنح الشرعية، فهى جزء عزيز علينا، محتل، ويستوجب التحرير بالمقاومة، تأكيدًا لمقولة عبد الناصر الخالدة: ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.