التوتر الأمريكى الإيرانى يعصف بالإقليم
د. جمال زهران
منذ عام وبالتحديد فى 10 مايو 2018م، نشرت مقالاً بالأهرام بعنوان: الإقليم يتجه إلى الحرب بدعم أمريكى مباشر، وصدقت توقعاتى بأن السياسات الأمريكية فى عهد ترامب، تتجه لإشعال الحرب فى عدة مناطق فى العالم، فى مقدمتها المنطقة العربية وخصوصًا فى مربع الخليج العربي.
وأصبح واضحًا أن مجمل السياسات الأمريكية تتجه بالإقليم نحو الحرب، ولكن أى شكل من الحروب، هل هى شاملة أم محدودة، كلية أم جزئية، انتقائية لمجرد إرسال رسالة تأكيد بمصداقية التهديدات أم مجرد تهديدات بالحرب متوازية مع أدوات اقتصادية ودبلوماسية؟! ويصعب التكهن بما يمكن أن يحدث، فى ظل متغيرات لعل أهمها البيئة الداخلية للقرار الأمريكى للحرب، وكذلك تقديرات بقدرة إيران العسكرية على الرد أم الاكتفاء بامتصاص الغضب الأمريكي؟ كذلك البيئة النابعة من الضغوط الصهيونية داخل أمريكا بل وداخل إسرائيل فى ظل نيتانياهو المتعجرف بذات عجرفة الرئيس الأمريكى ترامب؟ وفى ظل ذلك كله فإن قرارًا أمريكيًا بشن حرب ضد إيران، لابد وأن يأخذ فى الاعتبار التغيرات الحادثة فى النظام الدولى الآن، مقارنة بما حدث فى عام 2003م، حيث قامت أمريكا بضرب واحتلال العراق وتدميره بحجج متشابهة، فى ظل غياب لقطب دولى منافس، عكس ما هو حادث الآن، حيث أصبحت روسيا لاعبًا دوليًا مدعومًا من الصين، كقطب دولى منافس لأمريكا؟! فالبيئة الإقليمية والدولية معقدة للغاية، والتداعيات المتوقعة ضخمة للغاية، الأمر الذى ينذر باحتمالات حدوث كوارث، حال قيام أمريكا بشن حرب ضد إيران مشابهة لما حدث مع العراق 2003م. فقد صدق من قال إن الإقليم العربى والشرق أوسطي، وصل نتيجة سياسات ترامب/ نيتانياهو، إلى حافة الهاوية، التى قد تتبعها حالة من حالات عدم الاستقرار والعصف بالأوضاع القائمة فى هذا الإقليم. فالسياسة الأمريكية المعادية لإيران فى ظل ترامب، بدأت بعدم الاعتداد الأمريكى بالاتفاق النووى مع إيران، والانسحاب من الاتفاقية رغم عدم انسحاب الجانب الأوروبى وروسيا والصين والمعروفة بـ (5+1) وتصر أمريكا على ممارسة جبروت القوة على إيران، بمطالبتها بمفاوضات جديدة واتفاق جديد يحقق مصالح لإسرائيل بالأساس أقوى مما تم الاتفاق عليه! ولم تستجب إيران، ورفضت إعادة التفاوض، بل أعلنت عدم التزامها بعدد من نصوص الاتفاق خاصة ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم! وذلك فى دعم ومساندة مباشرة ومعلنة من روسيا والصين، فى المقابل فإن أمريكا حركت حاملات الطائرات إلى الخليج، وسحبت الدبلوماسيين من عدد من دول المنطقة، وخاطبت رعاياها بالمغادرة وسط إشارات بأن قرار الحرب أصبح وشيكًا! فضلاً عن غموض فيما تعرضت له ناقلات بترول سعودية أمام سواحل الإمارات، من اعتداء وتخريب وغرق، ويبدو أن طرفًا ثالثًا من مصلحته إشعال المنطقة والدفع بها إلى حافة الهاوية ثم الحرب.
فضلاً عن الرسالة الخطيرة والتى سبق أن كررتها القوة اليمنية، بإطلاق عدة طائرات مسيرة، ضربت مقار حقول بترول تابعة لشركة أرامكو، وحملت السعودية إيران والحوثيين مسئولية ما حدث. الأمر جد خطير لمن يفهم أهداف كل الأطراف المعنية بالأزمة الأمريكية/ الإيرانية، وفى خلفية المشهد إسرائيل، وكذلك وسائل وقدرات وإمكانات كل طرف فى الرد والتحمل فترة أطول. فالعصف بالإقليم سيكون خطيرًا وستدفع كل الأطراف ثمنًا فادحًا وغير مسبوق، ولن يتوقف أى طرف إلا عند حافة تحقيق أهدافه، مما يعنى أن العصف سيكون شاملاً ويصب فى مصلحة الكيان الصهيوني، وسيصيب الزلزال أمريكا وترامب بينما الدمار المحتمل فوق طاقة التحمل والتصور ولكل الأطراف. وفى المقابل سيكون سيناريو التخفيض التدريجى للتوتر، وقد يصل إلى الانسحاب أو التأجيل أو الإلغاء الأمريكى للحرب ضد إيران، محتملاً.
كما أن سيناريو توجيه ضربات سريعة وخاطفة من أمريكا ضد أهداف قريبة من الحدود الإيرانية، قد تكون لإثبات جدية التهديدات الأمريكية وإنقاذً لماء الوجه، قد تؤدى إلى ضبط النفس من جانب إيران لتفادى الحرب الشاملة قد يكون محتملاً أيضًا ولكنه غير مضمون النتائج. ولذلك فإن سيناريو التراجع الأمريكي, كالمعتاد, هو الأقل تكلفة لو أضحى ترامب عاقلاً فى هذه المرة. لكن فى المجمل فإن الإقليم على فوهة البركان حاضرًا ومستقبلاً، بسبب السياسات الأمريكية الخرقاء.