اللجوء السوري نعمةٌ أم نقمة؟ وكيف انقلب السحر على الساحر؟
هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
ثلاثة دولٍ وفّرت الأسباب مسبقاً، وبَنَت المخيّمات، وحفّزت السوريين على اللجوء، وقدّمت الإغراءات والوعود والأموال، و “هيّصت” كثيراً لمشاهد رحيل السوريين بمئات الآلاف من سوريا، وكان هدفها أن تفرغها من الشباب للتأثير على قدراتها البشرية والعسكرية، ثم افترضت أنّ اللاجئين سيرتدّون على الدولة والرئيس والنظام وأنّهم سيشكّلون جيوشاً لغزو سوريا وتأمين منصّاتٍ لقوّات الأطلسيّ وجماعات الإرهاب المتوحّش.
الدولة والجيش السوريّ تعاملت مع المسألة بكثيرٍ من الإنسانية والوطنية والاستباقية، فلم تتخذ سوريا أيّة إجراءاتٍ قمعيةً للظاهرة، ولم تعقها أو تنصب في مواجهة الراغبين بالهجرة أيّة حواجز أو إعاقات، بل تركت للشعب السوري خياراته الشخصية والحرة، وبرّرها الرئيس في خطاباته أكثر من مرة “إننا لا نستطيع إلزام الناس بأن تقاتل غصباً عنها، كما لن نضطرّها للبقاء، فنحن في حالة حرب، والحرب مدمرة، ولا نعرف كيف ستترك آثاراها على الأفراد والعائلات، فلكلّ إنسانٍ الحقّ بأن يختار ما يراه مناسباً وشرطاً لتأمينه”… وعندما تصاعدت حالة الفرار من الجيش أو التمنّع عن الالتحاق بخدمة العلم أو دعوات الاحتياط، لم يتخذ الأسد أيّ قراراتٍ إلزاميّة وبالقوة، بل اعتمد قواعد العفو العام وتيسير أمور الشباب وإصدار المراسيم والتعليمات التي تحفزهم للعودة إلى بلدهم، ولمن يرغب أن يلتحق بالجيش أو يدفع بدلاً نقديا، وكذا كان عدد كبير من الاعفاءات والقرارات والمراسيم الرئاسية بما خصّ مناطق المصالحات والتسويات.
الإجراءات التي اعتمدتها سوريا في المسألة كانت مجال تهكمٍ وتطاولٍ على القيادة واستراتيجياتها واتهمت كثيرا، وكعادتها لم تبرّر أو تناقش، ولم تكلّف نفسها عناء الرد، فهي أدرى بما تسعى إليه، وتركت الأمور تأخذ مساراتها.
لم يطل الأمر كثيرا، ففي الانتخابات الرئاسية السوريّة زحف مئات الآلاف من السوريين ومن كل التلاوين والاتجاهات الى السفارة السورية في بيروت، وأقفلت الطرقات، وعاش المحتشدون ساعاتٍ بل أياماً في صفوفٍ طويلةٍ ومنهكةٍ تحت الشمس والحرارة بانتظار دورهم للإدلاء بصوتهم للرئيس ذاته الذي افترض محفزو اللجوء أن اللاجئين سيصوتون لسواه وأنّهم سيستخدمون اللاجئين في الانتخابات لإسقاط الاسد.
وبعد، فالاستراتيجية العبقرية التي اعتمدتها سوريا في هذه المسألة حوّلتها إلى وسيلة حربية مجدية، فارتد الخنجر المسموم الذي أَعدّ لسوريا إلى صدور من أعدّه، فتحوّلت مسألة اللجوء إلى عبئٍ على الدول والجماعات والمجتمعات التي حفّزتهم وسعت بكلّ ما استطاعت لتسعير الهجرة من سوريا… وهذا لبنان، يرفع الصوت ويؤجّج مسؤولوه العنصرية ويعززون الإجراءات القسرية والاعتداءات على اللاجئين الذين هم أتوا بهم واستثمروا بتقديمات الدول والامم المتحدة والمنظمات ذات الصلة، ونهبوا ما جاء من أموال ومساعدات باسم اللاجئين، وعندما فرغوا باتت قضية اللجوء أزمة، وذات الامر والسبب أصاب الاردن الذي كان نشطاً في التآمر على سوريا بالسلاح والخبراء وزجّ الإرهابيين ومحاولات المتاجرة بهم وبمخيماتهم فانقلب السحر على الساحر، وهذه تركيا أردوغان الذي كان يفاخر بأنّ بلاده تستضيف ملايين اللاجئين وحاول استخدامهم في أزماته وصراعاته السياسية في تركيا، وجنسهم ووفّر لهم الكثير من الفرص آملا ً بأن يصبحوا قاعدته الاجتماعية وعدّة الاخوان المسلمين عنده، وعندما أفلس وبات في أزمة عميقة وخسر إسطنبول، تراه وحزبه والاخوان المسلمين السوريين والاتراك الذين ورّطوا اللاجئين وتآمروا على سوريا، تراهم اليوم يرتكبون الاعتداءات والتطاول والطرد والقتل بحق اللاجئين السوريين ويعملون على ترحيلهم بالقوة وإعادتهم إلى بلادهم أو استخدامهم أكياس رملٍ لحماية تركيا على حدودها مع سوريا، وفي كل الاحوال تصديرهم إلى أوروبا لتأزيمها وابتزازها لتأمين أردوغان…
إنها سوريا الخلّاقة والمبدعة دائما والقادرة على تغيير اتجاهات الريح والاتقان في وسائلها وطرائقها.
إنّه الشعب السوريّ الوطنيّ أبدياً والذي لم يسجّل في تاريخه أن سلّم ولم يقاوم، وها هم اللاجئون الذين أريد لقضيتهم أن تكون خنجراً لنحر سوريا يتحولون إلى أزمة في كلّ البلدان وعند الجهات التي حاولت الاستثمار بهم ويتحوّلون إلى أزمة عالمية تؤكّد بأنّ سوريا أصبحت عنصراً حاسماً في كلّ التحوّلات الجارية والتي ستكون كما في “البريكست” البريطانية، والتوترات السياسية والاثنية في دول الاتحاد الاوروبي، وستكون عنصرا محوريا في تصعيد الصراع بين تركيا والأردوغانية وفي تأزيم تركيا نفسها، فطابخ السم آكله فكيف إن كان قصده تسميم سوريا!.