ما دور روسيا في “الحرب الناعمة” بين اميركا وايران في سوريا
د.عصام نعمان
الحرب بين اميركا وايران متواصلة ومتصاعدة . طابعها الظاهر اقتصادي ، لكنها في الواقع متعددة الساحات والجوانب. آخر مظاهرها اللافتة ما حدث ويحدث في الجولان السوري . ففي غضون شهر ونصف الشهر شنّت حليفتها “اسرائيل” هجومين على موقعٍ للجيش السوري في تل الحارة يشكّل نقطة استطلاع بصري والكتروني الى مسافة بعيدة داخل الاراضي التي تحتلها قوات العدو في سوريا.
يدّعون في “اسرائيل” ان ايران وحزب الله أقاما ، بالتعاون مع سوريا ، بنية تحتية مكوّنة من مواقع استطلاع ومنشآت استخبارتية لجمع المعلومات التي تخدم تنفيذ عمليات ضدها. كما تدعي “اسرائيل” ان حزب الله ووحدات المقاومة التي يديرها في المنطقة هو مَن يقوم بتنفيذ هذه العمليات . ذلك ان رجال الحرس الثوري الإيراني ممنوعون ، بموجب “الاتفاق” الذي تمّ التوصل اليه بوساطة روسية ، من التواجد على بُعد اقل من 80 كيلومتراً الى الشرق من الحدود مع الجولان المحتل (راجع مقالة المحلل العسكري رون بن يشاي في “Ynet” ، 2019/7/24).
لا يجوز ، بطبيعة الحال ، الركون الى ما تتقوله وسائل الإعلام العبري، لكن من الأكيد ان ما تكشفه في هذا المجال ، سواء كان صحيحاً او مختلَقاً ، يتمّ بموافقة الرقابة العسكرية ويمثّل تالياً وجهة نظر “اسرائيل” .
في هذا السياق ، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد كشف في مقابلة مع صحيفة “يسرائيل هَيوم” (2019/7/19) انه في الإجتماع الثلاثي الذي عُقد في نهاية الشهر الماضي بين مستشاري الامن القومي لاميركا وروسيا و”اسرائيل” في القدس المحتلة جرى التوصل الى اتفاق لإخراج ايران من سوريا.
قناةُ التلفزة الإسرائيلية 13 كانت قد نقلت عن مسؤول اميركي رفيع المستوى ان تل ابيب وواشنطن طالبتا روسيا بضرورة ان يشمل اي اتفاق مستقبلي بشأن الوضع في سوريا إنسحاباً عسكرياً ايرانياً ليس من سوريا فقط بل من لبنان والعراق ايضاً (“معاريف” 2019/7/18). القناةُ نفسها اوضحت انه لم تتوافر انباء بشأن الرد الروسي على المطالب الإسرائيلية والاميركية ، لكنها اشارت في الوقت عينه الى انه في اثر اللقاء الامني المذكور ، دافع مستشار الامن القومي الروسي بتروشيف عن ايران وأكد دعم روسيا لوجودها العسكري المستمر في سوريا.
الى ذلك ، جاء في التحليل العسكري لرون يشاي المشار اليه آنفاً “ان قوات الشرطة العسكرية الروسية تقوم بمراقبة المنطقة وتنفيذ الاتفاق فيها”. المنطقة المقصودة هي محيط موقع تل الحارة الذي استهدفته “اسرائيل” فجرَ يوم الأربعاء الماضي، والمقصود بالإتفاق ما تزعمه “اسرائيل” عن وجود تفاهم بين اميركا وروسيا و”اسرائيل” يقضي بمنع قوات الحرس الثوري الإيراني من التواجد على بُعد اقل من 80 كيلومتراً الى الشرق من الحدود مع الجولان المحتل.
كل هذه الواقعات والتقوّلات المار ذكرها ، سواء كانت صحيحة او مختلَقة، تشير الى ان ثمة تفاعلات وعمليات تجري في جنوب سوريا ، والمرجّح انها تصبّ في مخطط الولايات المتحدة و”اسرائيل” الرامي الى تفادي الحرب بالنار مع ايران بالنظر الى تكلفتها الباهظة ، والإستعاضة عنها بتأجيج الحرب الناعمة ومن ضمنها مشاغلة حلفاء ايران ، وفي مقدمهم سوريا وحزب الله ، بصنوف من المناوشات والضغوط والعمليات العسكرية المحدودة ، كلُ ذلك بقصد تشديد الحرب الإقتصادية على ايران وحلفائها . ذلك ان ادارة ترامب تظنّ ان الحرب الإقتصادية بدأت تعطي ثمارها بدليل ان إنتاج ايران من النفط انخفض من 2,5 مليون برميل يومياً، كما كانت عليه الحال قبل العقوبات ، الى اقل من 400 الف برميل يومياً الامر الذي سيكره طهران على الرضوخ لمطلب واشنطن بالعودة الى المفاوضات وذلك تفادياً لخروج الناس الفقراء الى الشوارع ، بحسب تقديرات واشنطن.
“اسرائيل” المشغولة بإنتخاباتها البرلمانية في شهر ايلول/سبتمبر المقبل تميل قياداتها السياسية والعسكرية الى التسليم بجدوى الحرب الإقتصادية الاميركية ، كما تفضّل عدم التصعيد في هذه الآونة تجنباً لإستفزاز ايران وحلفائها ودفعهم الى ردّ الكيل كيلين . ذلك ان فريقاً من القياديين السياسيين والعسكريين في الكيان الصهيوني يتخوفون من ان تكون اطراف محور المقاومة قد تقوّت مؤخراً بما حدث من مجابهات ووقوعات في المنطقة صبّت في مصلحتها . فالناقلات التي جرى نسفها في موانيء الامارات العربية المتحدة ، والناقلة البريطانية التي حجزتها البحرية الإيرانية وجرّتها الى ميناء بندر عباس بعد ان رفعت عليها العلم الإيراني ، واعلان الامارات عن عزمها سحب قواتها العاملة في جبهات الحرب اليمنية ، وتصعيد الحوثيين وحلفائهم حرب الطائرات المسيّرة على القواعد العسكرية والمطارات السعودية في الرياض وأبها ، ونجاح حزب الله وسوريا في بناء معامل متخصصة بتأمين دقة تصويب الصواريخ الدقيقة … كل هذه الاحداث والإنجازات قد تحمل ايران وحزب الله – في حسبان بعض القياديين الإسرائيليين – على تصعيد عمليات ميدانية ، برية وبحرية، من شأنها ارباك حكومات اميركا وبريطانيا و”اسرائيل” في وقت يمرّ كلٌ منها في ظروف داخلية دقيقة.
غير ان كل هذه التطورات والاحتمالات لا يمكن ان تحجب سؤالاً ملحاحاً يمور في اذهان قادة محور المقاومة السياسيين والميدانيين : ما دور روسيا في كل ما يجري ، ولاسيما في جنوب سوريا وشمالها الشرقي وغربها ؟ هل هي حليف مشارك ، ام حليف مساند ، ام مجرد شرطي مراقب لمدى امتثال الاطراف المتحاربة لبنود اتفاقات سياسية وميدانية قيل إنه جرى إقرارها بين دول كبرى واخرى اقليمية ؟