متغيرات عالمية على الأرض تفرض نفسها بقوة
هيئة التحرير
أعلن الرئيس الأمريكي عن النية للتفاوض التجاري مع الصين وبرفع المقاطعة عن جهاز ” هاواوي ” .. فيما أعلنت الصين أن أي نصب للصواريخ الأمريكية في آسيا ( وليس فقط على مقربة من حدودها ) سيواجه بالرد المناسب .
وأردوغان الذي بات مهزأة شعوب تركيا ، وعنوان تراجع مكانتها واقتصادها ، هدد باجتياح شرق الفرات ، لكنه بات لا يحرك ساكناً بعد أن زودت واشنطن ” قسد ” بـ 2000 دبابة والبقية تأتي ، فلتتحمل أنقرة وواشنطن وأغبياء قسد دماء الكرد والترك والأمريكان ، إن ركب اردوغان رأسه ، أو حمي رأس قسد ، أو أوغلت واشنطن بالتورط ، ولتتفرغ سورية وحلفائها لجبهات أخرى ، وبعدها يكون استكمال تحرير شرق الفرات أسهل بكل المعاني .
وإيران التي كان ترامب ينتظر مكالمة هاتفية من موظف إيراني صغير ليحفظ بها ماء وجهه المراق ، فعين موظفاً مهمته الرئيسة استقبال المكالمة الوهمية خاب فأله ، وبات يتصل مباشرة وعبر مريديه الخليجيين بإيران ، فلا الغاء الإتفاق النووي مع إيران أثمر ولا الحصار الإقتصادي أجدى ولا الضغوط على الإتحاد الأوروبي أعطى اكله ” رغم المراوغات الأوروبية ” ولا بعض الخليج أو الكيان الصهيوني على قدرة لإصابة إيران في مقتل ، بل إن إيران وجدت فرصتها ، فبدأت بالتراجع عن الإتفاق الذي رفض ترامب الحفاظ عليه ، ولم تكن اوروبا صادقة تماما بالوفاء بالتزاماتها تجاهه.
ومثلما كان الحصار السابق على إيران الممتد نحو 12 سنة ، فرصتها للإعتماد على الذات وتصليب مواقفها وإمكاناتها يحدث الشيء ذاته الآن ، وباتت دول في الخليج تتسابق لكسب ودها وطيّ صفحة وإطلاق أخرى ، فلا الحرب على اليمن قادت الى تحقيق المرامي المريضة فيه ولا الحرب على سورية أسقطت الدولة الوطنية السورية ولا تفتيت اليمن حقق مبتغاهم ولا الإرهاب عمر في العراق ، بل إن هذه الدول في طريق التعافي ، رغم حجم الدمار المذهل الذي أصابها .
كان من الممكن أن تبدأ الإتصالات و ( المصالحات ) والحلول الإقليمية عندما زار الرئيس السوداني سورية على متن ظائرة روسية ، لكن قطر وتركيا ومكتب الإرشاد العالمي الإخوني واخونيي السودان اعتبروا أن البشير خرج عن طوق الطاعة الإخوني المحلي والعالمي ، فحركوا الشارع السوداني ضده وكأن الأزمة الاقتصادية والديكتاتورية والفساد لم تنشأ إلا بعد أقل من 48 ساعة من زيارته لدمشق ، وأسقط البشير وتأجلت الحلول التي كانت ممكنة ومطلوبة برعاية روسية ، والطريف أن القوى القومية واليسارية السودانية لم تفهم اللعبة وخشيت أن تخرج من لعبة التغيير الملعوبة ( جيداً ) دون حصة فشاركت في الأحداث بحماس .
ويظهر أن التحرك الإقليمي الراهن نحو إيران يتم هذه المرة برعاية أمريكية ( ليس بدافع أخلاقي ) ومن هنا لا تجد من الخليج من يعارضه ، ولا مكتب الإرشاد العالمي بحكم علاقته الوثيقة بها ، فما يسمى الربيع العربي لم يكن ليشمل السودان بحال ، لأن الإخوان يحكمونه ولا حاجة امريكية لتغيير الأوضاع ، فحكمهم قائم فيه ’ فالربيع العربي كان اتفاقا اخونيا أمريكيا على تسليم الحكم للإخوان في الدول العربية من المغرب حتى العراق ، لكنه توقف في المحطة السورية وتوالى فشله ، في مقابل تحويل البوصلة عن القدس وفلسطين الى صراع مع إيران ، وتقسيم الأمة إلى سنة وشيعة ، وتهجير العرب المسيحيين إلى الغرب .
إن توالي فشل المحور الغربي الأمريكي الصهيوني في تحقيق غاياته النهائية ، والأزمة الإقتصادية العالمية وبخاصة في أمريكا وأوروبا ، والتفسخ الداخلي في الكيان الصهيوني ، وإنتشار الإرهاب والجريمة المنظمة في الولايات المتحدة ، والمنافسة القوية الصاعدة لدول وكيانات عالمية بمواجهة الإمبريالية العالمية كروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا وفشلها في اسقاط فنزويلا وإيران وكوريا الديمقراطية وسورية وغيرها .. كل ذلك عوامل تدفع الغرب وفي المقدمة أمريكا لإعادة حساباتها وتقديم تنازلات اضطرارية .
بهذا المعنى، فإن القرارات الأمريكية المضطربة ووجود دولتين عميقتين متباينتين ، في أمريكا يعكس الواقع على الأرض ، وهو واقع مرشح لمزيد من التفاقم في أمريكا وفي الدول والمناطق التابعة لها ، ولذا سنجد العديد ممن سيستوعب هذه المعادلة سيحاول إعادة النظر في تحالفاته وسياق علاقاته الإقليمية والدولية وإعادة النظر في مجمل نهجه السياسي والإقتصادي والأيديولوجي وعقيدته العسكرية .