Featuredالمغربفروع التجمع في العالم العربي والاسلاميمواقف في المواجهة

غارات “إسرائيل” على دمشق وبيروت محاولة للخروج من حالة الانحشار


ادريس هاني
أستغلّ مزاجي الملتهب هذا اليوم لأؤكّد على أنّ جهات كثيرة فضلا عن خصوم سوريا وحلفائها المعلنين ينتظرون ألا تتوقف المعارك في سوريا، بل لا أبالغ أنّهم ينتظرون أن تقوم “إسرائيل” بما عجزت عنه القوى الرجعية مدعومة من الناتو. “إسرائيل” في أكثر من مناسبة عبرت عن أنها جزء أساسي من الحرب على سوريا وبأنها تتدخل كلما تحقق في سوريا انتصار نوعي، ولقد كان متوقّعا أن تقوم “إسرائيل” بعدوان على سوريا كتشويش وأيضا تغطية على انتصار سوريا في خان شيخون. فقد قامت طائرات إسرائيلية بتنفيذ غارات ضد مواقع بجنوب دمشق هذا في الوقت الذي أعلنت المقاومة عن سقوط طائرة بدون طيار وانفجار طائرة أخرى مفخخة بالضاحية الجنوبية مخلفة أضرارا في مبنى المركز الإعلامي لحزب الله. وكانت الدفاعات السورية قد تصدت بقوة للهجمات الإسرائيلية ودمرت أغلب الصواريخ قبل أن تحقق أهدافها.
في تصريح نتنياهو بأن الحرب على إيران لا حصانة لها في كل مكان، ولعل هذا ما أسفر عنه العدوان الذي انكشف في اليمن وفي العراق، وهو منعطف جديد سيفرض أيضا استحقاقاته على “إسرائيل” لأنها ستكون أيضا مكشوفة أمام الطائرات المسيرة وكذلك لن تكون لها حصانة في أي مكان، غير أنّ هذا التطور يكشف عن وجود تحوّل في سياسات قوى التطبيع في المنطقة التي تبارك دخول إسرائيل في حرب مباشرة وفي أي مكان ضد إيران وحلفائها، كما يبدو أن “إسرائيل” مطمئنّة لذلك لأنها تدرك أنّ لها حليفا من العرب عبّر مرارا إزاءها عن وحدة الهدف والمصير.
في حمأة هذه المعركة المفتوحة لم يعد هناك أي قيمة للحديث عن انتهاكات إسرائيلية متكررة خارقة لاتفاق الهدنة أو خارقة لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، هناك تصعيد يسعى لإرساء قواعد اشتباك جديدة ربما ستكون “إسرائيل” نفسها ضحية استدراج من قبل حلفاء عرب جدد لم يستطيعوا إقناع ترامب بخوض حرب مباشرة ضد إيران، فوجدوا إسرائيل الجهة المناسبة للمغامرة بالعدوان. إن عملية فرض قواعد اشتباك جديدة من شأنه أن يجعل إسرائيل في وضعية حرجة في حال تم فرض التعامل بالمثل، فإسرائيل لم تعد تملك قرار إعلان حرب شاملة، ولكنها في ضرباتها المحدودة ستفتح الباب لضربات من النوع نفسه في مواقع أخرى وهذا التطور الردعي سيحشر “إسرائيل” مرة أخرى في زاوية الفشل، لأنّ ترامب لم يترك لتلك الدول ما تستطيع أن تغطي به تكاليف حرب جبانة قد تشنها دولة احتلال إن هي فعلت ذلك ستكون قد أخرجت الحرب من الوكالة إلى المباشرة وهذا سيكون مكلفا.
ردت دمشق على الغارات من خلال دفاعاتها وكذلك إيران من خلال تلك المواقع، بينما يتساءل كثيرون عن دور روسيا، وكل هذا يدخل في حسابات دقيقة، دقيقة جدا تدركها سوريا وحلفاؤها إذ كل يعمل وفق إطاره الخاص، وجود روسيا مهمّ في مستويات من التحدي دقيقة غير أنّ في سوريا حلفاء غير معنيين بتلك الحسابات وكل يملك مساحة للفعل تختلف عن الآخر بينما قوة سوريا التي تكمن في مرونتها العالية جديرة بأن تجعل من هذا التنوع في الحسابات دينامية إيجابية في تكاملية الأدوار.
وعلى هذا الأساس لا يعتبر هذا العدوان بداية حرب هي على كل حال واقعة منذ سنوات بكيفية أخرى، بل هي رسائل تعبر من خلالها “إسرائيل” على أنها حاضرة وتراقب تطور المعادلة وبأنها تحافظ على الحدّ الأدنى من الردع. “إسرائيل” لم تعد تشكل تهديدا بالمعنى الكلاسيكي للعبارة فقد فرضت المقاومة على “إسرائيل” ما يمكن أن نسميه حالة الانحشار والتّمأزق التّاريخي في انتظار مخرجات مصير مجهول أكاد أجزم أنّه لم يعد مصيرا واضحا بما فيه الكفاية للاحتلال. ما تفعله “إسرائيل” هو أن تتابع تطور المقاومة، وسيخرج التحدي من الاستراتيجي إلى التكتيكي قبل أن تفقد “إسرائيل” أي مستوى من مستويات التحدي سوى التفكك أو الانتحار..

ادريس هاني:24/8/2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى