سورية الجديدة
رفعت البدوي
تمكنت وحدات الجيش العربي السوري من دخول وتحرير مدينة خان شيخون الإستراتيجية بعد أن خاضت معارك شرسة مع المجموعات المسلحة التي كانت تسيطر على المدينة منذ العام 2014 وفي مقدمها مجموعات جبهة النصرة الإرهابية.
إن تحرير خان شيخون هذه المدينة السورية ذات الموقع الإستراتيجي المهم، قلب الموازين والمعادلات التي كانت قائمه بحكم تفاهمات دولية وستترتب عليه نتائج عسكرية وسياسية مهمة لمرحلة ما بعد خان شيخون.
ما أهمية تحرير خان شيخون
1- تحرير خان شيخون يعني إسقاط المشروع التركي الأميركي الصهيوني الخليجي الذي كان معداً لتقسيم الجغرافية في الشمال السوري وبشكل حاسم.
2- تحرير خان شيخون سيكون مقدمة لتحرير مدينة إدلب وعموم مدن وبلدات المحافظة.
3- تحرير مدينة خان شيخون سيخلط الأوراق من زاوية تمتين الموقف السوري وفرض إرادة القيادة السورية السياسية والعسكرية حتى على الحلفاء الروس.
4- تحرير خان شيخون رسالة سورية واضحة مفادها نفاد المهل الممنوحة وبأنه لا يمكن مراعاة ألاعيب ومماطلة الجانب التركي أو إعطاء الجانب الروسي الوقت اللامحدود وإن كان حليفاً بانتظار تنفيذ الجانب التركي مقررات اتفاق سوتشي، وهذا يعني أن القيادة السورية تتعامل مع الجانب الروسي الحليف على أساس المصلحة السورية العليا التي لا يتقدمها أي مصلحة أخرى وإن كان الحليف الروسي يراعي مصالحه الاقتصادية مع الجانب التركي.
5- تحرير مدينة خان شيخون سينهي استغلال مجموعات الخوذ البيضاء المدعومة من إسرائيل وبريطانيا وأميركا ودول عربية التي احترفت فبركة هجمات غاز السارين، وإنهاء حالة اتهام الجيش العربي السوري بشنها ومن ثم تعطيل كل الادعاءات والفبركات المكشوفة.
بعض المصادر المقربة من دوائر صنع القرار من العاصمة السورية دمشق أفادت بأن الرئيس بشار الأسد ضاق ذرعاً من وعود ومسوغات الأتراك الكاذبة المقدمة للجانب الروسي تحت عناوين إنسانية زائفة بخصوص المناطق الآمنة، ولاسيما بعد اتفاق أردوغان ترامب الأخير بإقامة غرفة عمليات لإقامة منطقة أمنية عازلة بعمق 30 كلم وخصوصاً بعد تأكد القيادة السورية من أن الهدف من الاتفاق الأميركي التركي هو احتلال مساحات واسعة من الأراضي السورية، ولأن القيادة السورية وعدت بتحرير كامل الأرض السورية واستعادة كل شبر منها إلى حضن الوطن ورفع العلم السوري على كامل تراب سورية، فإنها في هذا المجال لا تراعي ولا تحسب أي حساب لأي قوة عسكرية أو سياسية لا تخدم مصلحة سورية العليا والإستراتيجية، لذلك فإن القيادة السورية وبإشراف مباشر على التنفيذ من الرئيس الأسد اتخذت قراراً إستراتيجياً حاسماً لا عودة عنه بالمضي قدماً في العملية العسكرية الهادفة إلى تحرير خان شيخون وكامل محافظة إدلب من المجموعات الإرهابية مهما كانت التضحيات حتى لو أدى ذلك القرار إلى التصادم مع الجيش التركي الذي مكن التنظيمات الإرهابية من احتلال المحافظة منذ العام 2014.
القرار السوري بقصف القوة التركية التي دخلت الأراضي السورية بحجة دعم المجموعات الإرهابية العاملة تحت الإمرة التركية جاء رسالة سورية واضحة المعالم والمعاني موجهة للجانب التركي، مفادها حرمان تركيا من فرض أي معادلة جديدة ومن إمكانية تحقيق أي مكسب عسكري أو سياسي جراء تدخل تركيا في سورية، كما أنه يمنع على الأتراك ممارسة العزف المنفرد أو ممارسة اللعب على حافة الهاوية لأنها ستكون الهاوية نفسها التي تنتظر التركي.
الجانب التركي قرأ الرسالة السورية بتمعن وفهم مقاصدها سريعاً وأدرك الإصرار السوري واستعداده الذهاب إلى أبعد مدى ممكن لتنفيذ قرار القيادة السورية، الأمر الذي أدى إلى توقف القوة التركية عند حدود منطقة المعرة بعد نجاح الجيش السوري في محاصرة نقطة المراقبة التركية في مورك، وهو الأمر الذي دفع أردوغان لطلب اجتماع عاجل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل العودة إلى تنفيذ اتفاق سوتشي، لكن جواب بوتين للرئيس التركي رجب أردوغان سيكون جواباً صادماً لأن ما حصل هو نتيجة سياسة المماطلة التركية المتمنعة عن تنفيذ ما اتفق عليه، وأن روسيا لم يعد باستطاعتها طلب المهل الإضافية من القيادة السورية، وأن قرار تحرير إدلب هو قرار سوري بحت لا رجعة عنه فإما إتمامه عسكرياً وإما التفاوض الجدي.
إن تصميم القيادة السورية على المضي قدما بعملية تحرير خان شيخون من المجموعات الإرهابية لن يقتصر على المدينة نفسها بل إن القرار السوري سيشمل كامل المناطق التي كانت تعتبر سابقاً بمنزلة خطوط حمراء يحظر على الدولة السورية العودة إليها مراعاة لمصالح قوى إقليمية ودولية معينة.
إن القيادة السورية باتت في وضع يسمح لها بتنفيذ تكتيكاتها وإستراتيجياتها العسكرية المبنية على أساس المصلحة السورية العليا أولاً وليس بناء على مصلحة الحليف الروسي، وأيضاً لإفهام الحلفاء الروس أنه يجب عليهم الاستجابة لذلك ما داموا حلفاء لسورية، وهذا ما بدا جلياً في تصريح بوتين محترماً إرادة القيادة السورية ومعلناً عن موقف روسيا الواضح والداعم لسورية خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيث قال: روسيا تدعم عمليات الجيش العربي السوري الجارية في مواجهة الإرهاب.
تصريح بوتين ما لبث أن تبعه تصريح آخر لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف موجهاً بذلك رسالة مبطنة لتركيا ومحذراً من أي اعتداء على القوات الروسية العاملة في إدلب، لأن ذلك سيخلق تداعيات خطرة وسيرد عليه بقوة وبحزم روسي.
تحرير خان شيخون يعني انقلاب الصورة سياسياً وميدانياً لمصلحة الدولة السورية، الأمر الذي يضع الجميع دولياً وإقليمياً أمام إقرار واضح بأن الحرب السورية صارت في خواتيمها وبأن سورية تستعيد دورها الإقليمي والدولي وبوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، وخصوصاً أن سورية ممسكة بزمام قيادة محور المقاومة ومدعومة بحلف إستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحليف التاريخي روسيا.
العدو الإسرائيلي مني بهزيمة مشروعه التفتيتي وهو المرتعد من تعافي سورية وعودتها القوية المرتقبة وبدأ يتحسب لسورية الجديدة كقائد لمحور المقاومة وللمنطقة، وهي عودة ستؤدي إلى إفشال كل مخططات أميركا وإسرائيل ودول خليجية هادفة إلى تفتيت المنطقة وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد أو بما سمي صفقة القرن رغم إعلان ترامب إصراره الكشف عن تفاصيل بنود الصفقة بعد الانتهاء من انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
يقول السفير اللواء بهجت سليمان إن ما بعد خان شيخون ليس كما قبله، ونحن نضيف على قول اللواء إن سورية بعد تحرير خان شيخون ليست سورية كما قبلها، بيد أن سورية الجديدة المدعومة من محور المقاومة وروسيا وإيران والتي صمدت وقدمت دروساً في مواجهة العقوبات الأميركية وحققت انتصاراً باهراً على أميركا وبريطانيا في منطقة الخليج، ستكون سورية الجديدة عماد القومية والهوية العربية وكاسرة المعادلات المفروضة على المنطقة، سورية الجديدة ستكون الحلقة الأساس والمركز والمرجع الذي لا يمكن تجاوزه في تحديد بوصلة مستقبل المنطقة برمتها.