ما معايير المقاومة في تحديد هدف ضربتها الرادعة لـِ«إسرائيل» وتوقيتها؟
د. عصام نعمان*
وعد قائد المقاومة السيد حسن نصرالله جمهوره بضربة رادعـة لـِ»اسرائيل»، رداً على هجمتها الأسبوع الماضي بطائرات مسيّرة على مركز لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية. نصرالله صادق في وعوده ومواعيده. أطلق هذه المرة وعداً قاطعاً، لكنه لم يحدد موعداً. عدم توقيت موعد الضربة، ولو تقريبياً، أربك العدو الصهيوني وأرغمه على «خربطة» ترتيبات موضعة قواته على طول خطوط المواجهة مع لبنان وسوريا. نصرالله يبدو سعيداً في بقاء العدو قلِقاً ومستنفَراً إلى أجل غير مسمى.
في هذه الأثناء، تنعقد ندوات إعلامية وأمنية في ما يُشبه العصف الفكري، لاستشراف موعد تقريبي لضربة المقاومة الرادعة وتوقيتها وهدفها وحجمها. في «إسرائيل» تتعدد التكهنات والاحتمالات، كما التهديدات الصادرة عن مسؤولين في أعلى المستويات، ومن خبراء استراتيجيين ومعلّقين عسكريين وجنرالات سابقين. ثمة إجماع بين هؤلاء جميعاً على أن ضربة المقاومة آتية لا محالة، وانه يقتضي أخذ ما يقوله ويعد به نصرالله على محمل الجد.
إلى ذلك، يتميّز نتنياهو بأنه الأكثر ثرثرةً بين المسؤولين الصهاينة في إطلاق تهديدات وتحذيرات إلى قادة المقاومة مفادها، عدم الاستهانة بقدرات «إسرائيل» وتصميمها على الرد. لعل تقييم ما يجري حالياً في الكيان الصهيوني لخّصه المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس» (2019/8/27) عاموس هرئيل بقوله «إن استمرار التطورات مرتبط إلى حد بعيد بنتائج رد حزب الله، فالنتائج التكتيكية يمكن أن تفرض مرة أخرى مسار الأمور على المستوى الاستراتيجي».
ما تقييم حزب الله لما جرى حتى الآن؟
ليس من موقف رسمي للحزب في هذا الصدد، لكن قادته أخذوا علماً بما نشرته وسائل الإعلام، بإيعاز من «إسرائيل» على الأرجح، ولاسيما ما كشفته صحيفة «يسرائيل هيوم» (28/8/2019) القريبة من نتنياهو، بأن الهجوم الذي وقع في بيروت نهايةَ الاسبوع الماضي، استهدف أداةً مهمة في مشروع إقامة مصنع لإنتاج صواريخ دقيقة بعيدة المدى في لبنان، وأن هذه الاداة هي «خلاّط» PLANETARY MIXER من إنتاج إيران، يزن نحو 8 أطنان، ويُستخدم في خلط المواد الحساسة التي تستخدم في عملية إنتاج الوقود الصلب، وأنه كان مخبئاً داخل صندوق كبير لا يثير الشبهات في باحة مبنى في بيروت، قبل انتقاله إلى مصنع لإنتاج الصواريخ الدقيقة موجود على الأرجح في مكان آخر، وأن استخدام هذه الأداة سيسمح لحزب الله بالبدء في عملية إنتاج منتظمة لعدد غير محدود من الصواريخ. أكثر من ذلك، زعمت «يسرائيل هيوم» أن «الهجوم الإسرائيلي دمّر معدات إلكترونية للرقابة والتحكّم خاصة وغالية الثمن، تسمح بالرقابة والتحكم في مسار الصاروخ، وتجعله أكثر دقة وقدرة على التملّص من الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية».
لنفترض أن ما أوردته «يسرائيل هيوم» (كما غيرها كصحيفة «تايمز» اللندنية وموقع «إنديبندنت» الإعلامي البريطاني) صحيح، وأن قيادة حزب الله لم تنفه، فإن ثمة أسئلة وملاحظات تفرض نفسها في هذا المجال، لعل أبرزها خمس:
*أولاها، ألا يمكن أن تنطوي ما قالته الصحيفة القريبة من نتنياهو على محاولةٍ منه لإضفاء أهمية مضخمة على العملية غير المسبوقة، التي جرت بأمر منه، وذلك لتطويق اتهامات ساقها ضده خصومه السياسيون بأن الغرض من فعلته دعم حظوظه المتراجعة في انتخابات 17 ستمبر/ايلول المقبلة؟
*ثانيتها، هل يعقل أن يقوم حزب الله بوضع «خلاّط يزن نحو 8 أطنان ويُستخدم لخلط المواد الحساسة في عملية إنتاج الوقود الصلب»، على حدّ ما قالته الصحيفة، في باحة مكشوفة لمبنى كائن وسط حي سكني؟
*ثالثتها، هل يعقل أن تلجأ القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى استخدام طائرتين مسيّرتين محدودتي التسليح لتدمير خلاّط ثقيل الوزن والأهمية الاستراتيجية، جرى وضعه في منطقة يسيطر عليها حزب الله أمنياً بكفاءة مشهودة؟
*رابعتها، اذا كان الهدف المراد تدميره بهذه الضخامة والأهمية، أما كان في مقدور «اسرائيل» تدميره باستخدام سلاح الجو، ولاسيما طائرة أف- 35 المعروفة باسم الشبح؟
*خامستها، ليس في الصور المنشورة لمكان حصول العملية والركام الظاهر فيها ما يشير إلى بقايا خلاّط يزن 8 أطنان، ولا آثار لمعدات خاصة بصواريخ دقيقة.
إلى ذلك، ومع افتراض أن كل ما سرّبه نتنياهو، وهو وزير للدفاع، إلى «يسرائيل هيوم» صحيحاً، فإن أموراً بهذه الأهمية من شأنها أن تثير، بالضرورة، اهتماماً كبيراً لدى قيادة حزب الله، وان يكون لها تالياً تأثير كبير في تحديد هدف ومكان وحجم ضربته الرادعة المنتظرة.
السيد نصرالله كان أعلن في خطابه الاسبوع الماضي أن ردّ المقاومة على العدو سيتمّ في لبنان. المراقبون حاروا وتجادلوا في تفسير عبارة «في لبنان». السيد نصرالله كان أعلن في خطابه الأسبوع الماضي أن ردّ المقاومة على العدو سيتمّ في لبنان . المراقبون حاروا وتجادلوا في تفسير عبارة «في لبنان». نصر الله حسم الجدل بقوله إن عبارة «في لبنان» تعني عملياً «من لبنان»، إذ من حق المقاومة الردّ على العدو من أي موقع تراه مناسباً في لبنان، وليس شرطاً أن يكون من مزارع شبعا. كما أكد قائد المقاومة، أن ليس لديها معامل لتصنيع الصواريخ الدقيقة، ولو كان لديها ذلك لكانت أعلنت عنه بكل صراحة وفخر. مع العلم أن لديها العدد الكافي من الصواريخ الدقيقة لمواجهة العدو.
ايّاً ما كانت الرسالة التي أراد نصرالله إرسالها في خطابه، فإن التسريبات الخطيرة التي ظهرت لاحقاً، بالاضافة إلى التطورات السياسية والعسكرية الناجمة عنها، أو المترتبة عليها، تجعل من الضروري استشراف أو توقع ضربة المقاومة الرادعة لـِ «اسرائيل» في ضوء معايير ثلاثة:
ضرورة توقيتها على نحوٍ لا يؤدي إلى استفادة نتنياهو منها سياسياً وانتخابياً.
ضرورة أن تكون الضربة الرادعة في حجمها وفعاليتها متناسبة مع الضربة الإسرائيلية.
ضرورة أن تتم الضربة الرادعة بالتفاهم والتنسيق مع سائر أطراف محور المقاومة، كون الضربة الإسرائيلية تمّت في سياق الهجوم الصهيوامريكي الشامل الذي يتناول مواقع المقاومة في المنطقة برمتها.
في ضوء هذه المعايير، ثمة اثنان فقط يمكنهما تقدير زمان الضربة الرادعة المنتظرة ومكانها: حزب الله و»إسرائيل».
*وزير لبناني سابق – عضو الهيئة التأسيسية في التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة