حبرٌ على ورق..!!
علي قاسم
بين حسابات الحقل التركي من الإرهاب والبيدر الأميركي من المرتزقة، يراكم رئيس النظام التركي مغالطاته وأخطاءه، فيتوه في تحديد المواعيد والتواريخ، التي تتعدّل وتتغير وفق معادلة الابتزاز التي يروّج لها، من التلويح بورقة اللاجئين في الوجه الأوروبي، مروراً بالابتزاز الأممي، وليس انتهاء بالحديث عمّا يسميه المنطقة الآمنة، التي تقصر وتطول.. تتقلص وتتمدّد.. تتعدّل وتتبدّل.. وأحياناً تتأجل، أو تُسحب من التداول.
واللافت أنّ الاتفاق مع الأميركيين بهذا الخصوص، الذي أعلنه أكثر من مرة، ما يلبث أن يعود إلى الإقرار بأن هناك خلافات واختلافات تحول دون التنفيذ، وتارةً يمرر ما يشي بأن ليس هناك من اتفاق، ويصل الوهم في بعض الأحيان إلى الحديث عن تنفيذ اتفاق لم يتم الاتفاق عليه..!! ولا يتردد في التلويح تهديداً ووعيداً.
والسؤال فعلاً: أين وصل الاتفاق الأميركي التركي؟ وهل تمّ فعلاً أم لا يزال في طور الأخذ والرد وربما حبيس التمنيات؟ ليبقى في نهاية المطاف مادةً للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر، أو في أفضل الحالات مجرد مساحة للابتزاز، يمارسها الأميركي والتركي، كلٌّ وفق أطماعه وحساباته!!
في الحسابات القائمة يبدو كل ما يتم تداوله بالون اختبار، يجرّبه الأميركي والتركي وفق اعتبارات تتقاطع فيها الأطماع والأحلام المريضة التي يتقاسمانها، حيث الاختلاف في المقاربات لا يقتصر على التحالفات الملزمة داخل العلاقة الأميركية التركية، بل يمتد إلى حدّ التناقض في فهم الحيثيات التي تحكم كل طرف وبنك الأهداف الذي يعمل عليه.
فلا الأميركي لديه الاستعداد للتضحية بمرتزقته، ولا المقامرة بأطماعه من أجل إرضاء التركي، ولا الأخير لديه الرغبة في التخلي عن إرهابييه، مضافاً إليه فقدان الثقة المتبادلة على وقع المأزق التركي المتفاقم، وفي ظل استعصاء الخيارات الأميركية، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على النطاق الدولي.
والأدهى من ذلك، أنّ كلا الطرفين يعتقد إلى حدّ الجزم أن المشهد مؤقتٌ، والتحالفات داخله وخارجه آنية، ولا يمكن الاتكاء عليها أو المراهنة على استمرارها، وخصوصاً أنّ التجربة عمّقت الشرخ القائم بين الجانبين.
وهذا ما يتقاطع مع التسريبات الأميركية، بأنّ كل ما تمّ إنجازه حتى اللحظة لا يتعدى نطاق الأفكار الأولية القابلة للتعديل والتغيير والتبديل والاستبدال، مقابل توهّم تركيٍّ مع خليط من تورّم مرضي، بأنَّ الأميركي الذي باع مرتزقته غير مرة بات مؤهلاً لتكرارها الآن، لأن الثمن مغرٍ في موسم تزدهر فيه الصفقات، وتنمو عمليات البيع والشراء، وتتساوى فيها الأدوات مع الحلفاء.. والمرتزقة مع الإرهابيين.
بين الأطماع الأميركية والأوهام التركية تغدو التسميات مستنسخة من حال الاتفاق، وربما تشبه إلى حدّ التطابق ما يطرحه النظام التركي من هلوسات حول المنطقة الآمنة وتفرعاتها ومشتقاتها، التي باتت تحتاج إلى قاموس سياسي لفك ألغازها وطلاسمها.
الأميركي الذي تراجع غير مرة عن الفكرة، يتجه في المنحى ذاته والمسار عينه، وإن لم تتغير نغمة الأطماع، بينما التركي يمضي في إحصاء أوهامه، فكلّ يوم لديه وهم جديد، وما يضيفه من لغوٍ لا يعدو كونه أضغاث تلك الأوهام وهلوسات الرجل المريض بنسخته المنقَّحة، لينتهي به المطاف إلى الإقرار بأنها ليست أكثر من حبر على ورق.. حالها حال الكثير مما طرحه ومما قد يطرحه لاحقاً..!!